أحدث المواضيع

مقطع من رائعة الأدب ( جنيّة البحر!) لأديب مصر الكبير/ عمرو زين

مقطع من رائعة الأدب ( جنيّة البحر!)
لأديب مصر الكبير/ عمرو زين
*************
وبالفعل ما إن همّت الجنيّة تشق ماء البحر حتى قفزت من مكانى على فرع الشجرة وقبضت على أطراف شعرها فى قوة،ووجدتنى أهبط أهبط إلى باطن الأرض فى سرعة هائلة ثم توقف هبوطنا إلى أسفل وصرنا نطير عرضياً خلال أثير سرمدى ساحر، رأيت أسفل منى بعيداً بنايات غريبة لكنها جميلة، قلت لنفسى " لابد أنها بيوت الجآن! رأيت هناك أشجاراً وأنهاراً وقصوراً وأشياءاً لم أر لها مثيلاً فى حياتى قط ،هذه إذًا مملكة الجآن! متى ندخل إلى المملكة؟ لماذا تطير الجنيّة فوقها ولا تدخلها؟ وفى نفس اللحظة التى سألت نفسى فيها تلك الأسئلة خارت قواى تماماً ولم أعد أقوى على الإمساك بشعر الجنيّة، فسقطت رغماً عن محاولاتى المستميتة للتشبث بها واختفت الجنيّة بدورها فى نفس اللحظة وبصحبتها الأمير عمار، وسقطت من علٍ وانطلقت منى الصرخات وأنا أسقط،فى الواقع أنى لم أسقط كما كنت أتخيل بادئ الأمر وإنما وجدتنى أهبط وأهبط وكأنى ريشة طائر تتهادى فى الهواء أو تحملها نسمة رقيقة، شعرت بالسعادة الغامرة وأنا أهبط على هذه الحالة من الارتفاع الشاهق الذى أفلت فيه شعر الجنيّة من قبضتى وانتظرت اللحظة التى سينتهى فيها هبوطى وتلامس قدماى أرض مملكة الجآن ولكن اللحظة طالت وطالت ولم أعد أدرك هل أهبط بالفعل إلى أسفل أم أصعد إلى أعلى وأخيراً تبين لى أنى لا أهبط ولا أصعد ولكنى معلق فى الأثير السرمدى،" لو كان لى جناحان لاستطعت الطيران، فكرت أن استخدم ذراعى بديلاً عن الأجنحة وبالفعل ضممت قدماى بعضهما إلى بعض وفردت ذراعى وأخذت أحركهما فى الهواء كما تفعل الطيور فإذا بى وكأنى أطير، ثم خطر لى أن أضرب الهواء بقدمى وذراعى كما يفعل أقرانى عند عومهم فإذا بى وكأنى أعوم، أنا الآن استطيع أن أطير أو أن أعوم ولكنى بقيت معلقاً حيث أنا لا اتقدم خطوة إلى الأمام ولا اتأخر خطوة إلى الوراء، ما العمل الآن؟ هل أبقى معلقاً هكذا إلى الأبد؟ ألا يوجد مخرج مما أنا فيه؟ وبدون سابق إنذار ظهر أمامى العفريت الذى سبق أن خدعته، دار حولى مرة، ثم دار مرة أخرى، يبدو أنه يريد أن يتحقق منى ومن أنى أنا الذى خدعته. "
ـ وقعت فى يدى أيه اللعين.
ـ ألم يأت أخوتى إليك؟
ـ لم يأت أحد.
ـ لابد أنهم ضلوا طريقهم إذاً أو أن عفريتاً غيرك أكلهم.
ـ عفريتاً غيرى؟! لقد بقيت منتظراً طيلة الليل ولو ظهر عفريت آخر لرأيته.
ـ ربما ظهر ولم تره.
ـ أنا عفريت أرى كل العفاريت أمثالى حتى ولو كانوا فى سابع أرض ووقتها لم يظهر أى عفريت آخر، أنت خدعتنى والآن سأقتص منك.
ـ أنا لم أخدعك، ألست عفريتاً؟
ـ بلى ! أنا عفريت.
ـ إذاً فكيف أخدعك وأنت عفريت وأنا مجرد أنسى؟
ـ صحيح كيف يخدع أنسى مثلك عفريتاً مثلى؟!
أخذ العفريت يحدق فىّ ويحدق ثم سألنى:
ـ ولكن من الذى جاء بك إلى هنا؟
ـ مجيئى إلى هنا دليل على صدقى وأنى لم أخدعك.
ـ كيف ؟
ـ لقد جئت خصيصاً لأرى هل شبعت وشبع أولادك من الوجبة الدسمة التى أرسلتها إليكم أم لا .
ـ ولكن كيف دخلت إلى مملكة الجآن ؟ أى عفريت منهم قد أدخلك؟
ـ أولاً أنا لم أدخل بعد إلى مملكة الجآن.
فعلت الدهشة وجهه..،وواصلت حديثى بالقول:
ـ أم عمن جاء بى إلى هنا فالأمر يطول شرحه ويكفى أن تعرف أنّ العفاريت كلهم أصحابى أزورهم ويزورننى، وألعب معهم ويلعبون معى، عفاريت وكلنا عفاريت مع بعضنا البعض..
ـ أتقصد أنك عفريت؟
ـ لا ! أنا لست عفريتاً، أنا فقط أحب العفاريت وكل أصحابى من العفاريت أمثالك.
ـ ما أغرب ما أسمع!
ـ ليس فيما قلت أى غرب والدليل وجودى ها هنا، اقترب وأنا أطلعك على السر وراء كل ذلك!
فاقترب منى وأعطى لى أذنه فهمست قائلاً:
ـ عندما قابلت زوجة ملك الجآن أول مرة قالت لى: إنى أشبه ولدها الصغير الذى فقدته ومن يومها وأنا أدخل إلى مملكة الجآن وأخرج منها فى أى وقت شئت.
تلاقت نظراتنا وأومأت برأسى مرات إلى أن تبدد الشك البادى على وجهه وحل محله الاقتناع التام، لكن العجيب حقاً أننى كنت اتحدث معه طيلة الوقت يفهمنى
وأفهم ما يقوله لى أو يرد به علىّ ولكنى فى الوقت نفسه لا أسمع الصوت الصادر عنه أو عنى، أشعر أن شفتاى تتحركان فقط دون أن يصدر عنهما صوتاً حتى عندما همست فى أذنيه لم أسمع شيئاً مما قلت ورغماً عن ذلك فالجنىّ سمعنى وفهمنى، كففت سريعاً عن التفكير فى هذا الأمر وانتهزت فرصة اقتناعه الظاهر على وجهه وبادرته بالقول:
ـ ما رأيك أن تعيدنى مرة أخرى إلى ظهر الأرض فقد تأخر العفريت صديقى علىّ كثيراً؟
أومأ برأسه موافقاً وحملنى على كفه واخترق بى الأرضين فى سرعة خارقة فوصلنا البحر عند الكوبرى فى غمضة عين أو أقل منها ، رأيت العشرات والعشرات من العفاريت تتقافز وتتصايح تحت الكوبرى ومن حوله، تركونى فى سلام لما رأوا عفريتاً منهم يحملنى، وضعنى العفريت على شاطئ البحر فأخذت أقفز قفزاتٍ مقلداً بها العفاريت المنتشرة فى كل مكان من حولى ومبتعداً بها فى الوقت ذاته عن المكان.." لابد أن الليلة هى عيد من أعياد العفاريت وإلا لما تجمعت كل هذه الأعداد منها ها هنا. "

ليست هناك تعليقات