أحدث المواضيع

أحلام الخريف بقلم / سامية سليمان

https://scontent-cai1-1.xx.fbcdn.net/hphotos-ash2/v/t1.0-9/

أحلام الخريف [ قصة قصيرة ]

--------------

امرأة مسنَّة .. لكنها لا تزال تحتفظ بمسحة من الجمال .. وببعض حيويتها وأناثتها .. تزوج أبناؤها .. توفي زوجها .. كل من الأبناء مشغول بحياته الخاصة .. لا وقت لديهم يقضونه معها .. ويضيعونه بلا فائدة .. فالوقت بالنسبة لهم يعد نقودا ..وليس ساعات ودقائق وثوان .




حتي الأحفاد مشغولون بالدراسة والدروس الخصوصية المتتابعة والمذاكرة .. حتي في إجازتهم .. ليستطيعوا جمع الكثير من الدرجات .




قد يحضر بعض الأبناء لدقائق ..لسبب ما فحسب .. الحياة رتيبة مملة .. إلا من بعض دقائق تمضيها في تأمل العصافير ، فهي تضع لهم حبوب الأرز علي جدار الشرفة .. وبرام الماء .. وتراقبهم وهي في فراشها من خلف الزجاج حتي لا تزعجهم .. وتستمتع بحركاتهم السريعة وهم يلتقطون الأرز ويتنقلون من مكان لآخر ..كما تستمتع بزقزقتهم المحببة إلي نفسها .. وهم فرحين بهذا الرزق .




يأكل فوج ويشرب ثم يطير .. وتأتي بعده أفواج أخر .. يتكرر المشهد .. وقد تأتي يعض اليمامات أو الحمام لكنها أكثر ثباتا من العصافير في الحركة .




أصبحت هذه المشاهد متعتها اليومية وهوايتها المفضلة .. لا تتواني يوما عن وضع الحبوب والماء .. حتي اذا انتهت الحبوب .. وجدت العصافير تقف علي السدابات الخشبية التي تتوسط زجاج الشرفة .. وتنقر علي الزجاج وكأنها تخبرها بأن الطعام قد نفد .. وعليها أن تحضر غيره .




هو رجل بالمعاش يقطن بإحدي الشقق المقابلة لها .. توفت زوجته بعد أن زوّج أبناءه .. يعيش وحيدا إلا من بعض سويعات قلائل تتعطف فيها إحدي بناته وتحضر لتجهز له صنفا أو صنفين من الطعام يأكل منهما طوال الأسبوع .




لا زال محتفظا بشيء من القوة واللياقة لاهتمامه بالرياضة .. يراها أحيانا تخرج لقضاء مصالحها .. وأحيانا وهي عائدة وقد حملت بعض الأكياس بكلتا يديها .. وتصعد الدرج بصعوبة مع هذه الأكياس .. لايساعدها أحد .. حتي بواب العمارة فكأنه صاحب العمارة .. لايساعد أحدا إلا بمقابل مجز .. وهي تعتمد علي نفسها في جميع الأحوال .. لا تطلب المساعدة من أحد .. تعيش بمعاشها ومعاش زوجها حياة مستقرة وكريمة .. لكنها رتيبة .




يراها دائما في كامل أناقتها .. فهي تنسق في الألوان .. وتعرف كيف تختار ما يناسبها تماما .




فكر بها .. فهو يعيش وحيدا .. وهي كذلك .. فلماذا لا يجمعهما بيت واحد .. يؤنسان بعضهما .. فالاثنان بالمعاش .. ولن يكون لديهما آية مسئوليات أخري .




وجدها وهي تصعد الدرج بأكياسها المتعددة .. فهَمَّّ يحملها عنها .. لكنها رفضت بشدة وشكرته علي عرضه .. طلب منها التحدث لبضع دقائق .. سمحت له لأنه جار منذ سنوات طويلة وتعلم عن أخلاقه الحميدة .




- خيرا إن شاء الله ياحاج




- كل خير ياسيدتي .. أنا أراكِ وحيدة .. وأخذ يجفف عرقه بمنديله -وكأنه شاب يقابل عروسه لأول مرة - واستطرد .. وأنا كذلك وحيد .. ففكرت لماذا لا نجمع الشمل علي سنة الله ورسوله .. ونكوّن بيتا سعيدا أنا وأنت .. ويؤنس كل منا الآخر .




ابتسمت ابتسامة عريضة .. فقد أعطاها الثقة في نفسها .. فهي لازالت مطلوبة للزواج رغم تجاوزها الستين .. لكنها مالبثت أن عادت لجديتها .. وردت بهدو ء :




- أحفادي الآن يبحثون عمن يشاركهم حياتهم .. فهل لديك أحفاد في مثل سنهم ؟

- أسعدتني زيارتك .. لكنني للأسف لدي موعد بعد قليل مع الطبيب ، وأخشي أن يفوتني .




خرج الجار .. وأخذت كيسا من الأرز وتوجهت إلي الشرفة مباشرة ونثرت بعضا منه علي الجدار .. وجلست علي فراشها تنتظر أفواج العصافير .

ليست هناك تعليقات