أحدث المواضيع

أوراق لم تسقط__ قصة للشاعر سامي عبد الستار مسلم


_اوراق لم تسقط_
مصر
أحسب ساعات حياتي الحقيقية منذ أواخر سبتمبر. هذا الحبيب الذي لا أستطيع أن أعطيه سوى تقديري، أما هو فيمنحني الكثير والكثير. يطول الكلام إذا بدأ من أواخر سبتمبر وحتى مطلع المطر.. ويبدأ بهذا الصبح المغاير، الذي صرت الآن أستقبله بالخروج قبل موعد عملي بساعة ونصف؛ كي أنهل منه ما أستطيع...نور ينتشر على واجهات البيوت القصيرة؛ فتبدو شرفاتها ككفوف تحمل أصص الزرع. ويتدلى من أناملها غسيل لا يزال نائماً، يختلط صياح الديكة مع شقشقة العصافير في تناغم حلو، ويبقى الصوت لا أعرف ماذا يقول. صياح متوال، وشقشقة تضرب الهواء في دوائر وأشكال عديدة؛ لا يسعني سوى السير واستقبال كل هذا دون فهم.
وفية تلك الصباحات تماماً. نفس التي كنت أشعر بها منذ سنين..؛ أيام البدلة البيج، والشنطة، والزمزمية، والطابور.... كل الدرجات كانت تؤكد أنى بلغة المدارس شاطر، لكن هذه الشطارة صنعت منى رجلا له عمل يذهب إليه . لكن هل هذه الشطارة جاءت عن طريق الخروج مبكراً، والوقوف في محل الفول والطعمية، ورجاء صاحب المحل أن يعطيني طلبي؛ كي ألحق الوقت وأرتدي البدلة في عجلة، فيما ساعة الحائط تطارد أمي فتتعجلني بارتداء الحذاء، ذلك الذي كنت أتعثر في ارتدائه.
قيد الحقيبة كان يقزم يدي، ويثقل عليَّ السير وسط صياح الديكة، بينما جرى التلاميذ أمامي في الطريق كان يقطع رصد عيني لشق العصافير الهواء، والتي كانت أحياناً تطير بعلو الحقيبة. يجرون في كسل ونعاس، وأنا وراءهم أجرى وأحاذر من فك رباط الحذاء.
هل صوت الأستاذ الغليظ - الذي لا أعرف اسمه إلى الآن - هو السبب في شطارتي... لأنه كان يزعق وهو يستعجلنا في الدخول إلى فناء المدرسة، ثم وهو منتصب تحت العلم المثبت في شرفة الطابق الثاني. صوت عال جداً كنت لا أفهم منه شيئاً. كل ما أتذكره أنه كان يصنع صمتاً في الطابور. يزعق إلى درجة صراخ بوق الميكروفون المثبت بأعلى المدرسة. تخلل صوته الأنفاس التي كنت أتنفسها.
آه لو أقضى هذه الساعات دون رؤية تلاميذ يحملون حقائب، وأمهات يحملن أقفاص خبز، آه لو لم أسمع تلك الصيحات الأكلاشيهية التي تأتى من خلف أسوار المدارس.
لكل أسبوع يوم إجازة؛ فلماذا لم يأخذ صاحب الصبح البهيج إجازة من لون المرايل، والبدل، والحقائب، والسندوتشات، والجري، والصيحات ؟
ليت الساعة ما عجلت أمي، وليته ما زعق.

ليست هناك تعليقات