أحدث المواضيع

الشاعر عبد الرءوف الزيات عنوان القصيدة حديث القلب



رَأَيْتُ قَلْبِي وَقَدْ أَوْدَى بِهِ الْخَوَرُ
شَيْخاً جَلِيلاً – مَهِيباً – هَدَّهُ الْكِبَرُ
دَنَوْتُ مِنْهُ فَلَمْ أَعْرِفْهُ عَنْ كَثَبٍ
قَدْ شَاخَ مِنِّي ، وَشَاخَ الْعَقْلُ وَالْفِكَرُ
سَأَلْتُ قَلْبِي عَنِ الدُّنْيَا وَغَايَتِهَا
أَجَابَ : إِيَّاكَ مِنْهَا ، إِنَّهَا خَطَرُ
فَلاَ تَغُرَّنَّكَ الدُّنْيَا بِزِينَتِهَا
فَتَحْتَ زِينَتِهَا قَدْ يَكْمُنُ الْكَدَرُ
يَا صَاحِبِي مَهْلاً ! ، إِنْ كُنْتَ تَسْأَلَنِي
إِنِّي بَريءٌ مِنَ الدُّنْيَا ، وَأَعْتَذِرُ

النَّاسُ تَهْفُو إِلَى الدُّنْيَا وَقَدْ سَمِعُوا
صَوْتَ الْفَنَاءِ ، فَمَا ارْتَاعُوا وَمَا اعْتَبَرُوا
إِنَّ الْحَيَاةَ جُنُونٌ خَابَ عَاشِقُهَا
تَزْهُو ، وَتُغْدِقُ بِالنُّعْمَى وَتَنْطَمِرُ
فَكَيْفَ يَعْشَقُهَا ؟ ، مَنْ سَوْفَ يَتْرُكُهَا
وَالْمَوْتُ هَادِمُهَا حَتْماً وَمُنْتَصِرُ
فَلَنْ تَدُومَ وَإِنْ طَالَ الْبَقَاءُ بِهَا
لاَ الْكَوْنُ يَبْقَى ، وَلاَ جِنٌّ ، وَلاَ بَشَرُ
فَالْمَوْتُ يَحْصُدُ كُلَّ النَّاسِ قَاطِبَةً
يَقْضِي عَلَيْهِمُ ، لاَ يُغْنِيهُمُ الْحَذّرُ
وَالْمَوْتُ يَقْضِي عَلَى الدُّنْيَا بِأَكْمَلِهَا
يَجْتَثُّ فِيهَا ، وَلاَ يُبْقِي ، وَلاَ يَذَرُ

مَنْ ظَنَّ يَوْماً بِأَنَّ الْمَوْتَ تَارِكُهُ
يَمْضِي ، وَيَنْظُرُ فِي الْمَوْتَى وَيَعْتَبِرُ
فَفِي الْقُبُورِ أَنَاشِيجٌ تُرَقِّقُنَا
وَمَوْعِظَاتٌ مَعَ الأَجْدَاثِ تَسْتَتِرُ
كَأَنَّ فِيهَا مِنَ الأَنْوَارِ مَا يُبْدِي
سِرَّ الظَّلاَمِ ، فَنَسْتَهْدِي ، وَنَدَّكِرُ
يَا صَاحِبِي ! ، هَيَّا نَرْنُو مَسَاكِنِهَا
وَبَيْنَ سُكَّانِهَا نَبْكِي وَنَفْتَكِرُ

أَيْنَ الْمُلُوكُ وَمَنْ دَانَتْ لَهُمْ دُوَلٌ ؟
أَيْنَ الَّذِينَ بَغَوْا فِي الأَرْضِ وَاقْتَدَرُوا ؟
أَيْنَ الْمَمَالِكُ ؟ ، أَيْنَ الْجُنْدُ وَالْمَدَدُ ؟
أَيْنَ الَّذِينَ عَلَوْا فِي النَّاسِ وَافْتَخَرُوا ؟
فَأَفْسَدُوا فِي عِبَادِ اللهِ أَمْرَهُمُ
وَكَبَّلُوهُمْ قُيُودَ الذُّلِّ وَاحْتَقَرُوا
تَأَلَّهُوا ! ، وَتَمَادَوْا فِي ضَلاَلَتِهِمْ
وَقَدْ تَسَاوَتْ عُقُولُ النَّاسِ وَالْحَجَرُ

أَيْنَ الْجَمَالُ الَّذِي بَادَتْ مَفَاتِنُهُ ؟
أَيْنَ الْمَآَقِي الَّتِي غَنَّى لَهَا الْحَوَرُ ؟
وَأَيْنَ مَنْ أَبْدَعُوا الآَيَاتِ وَابْتَدَعُوا ؟
وَأَيْنَ مَنْ شَيَّدُوا الأَبْرَاجَ وَابْتَكَرُوا ؟
كُلٌ تَوَارَى لَمْ يُمْهِلْهُمُ الأَمَلُ
زَالُوا ، وَرَاحُوا تَحْتَ الأَرْضِ وَانْدَحَرُوا
لَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ سِوَى التَّارِيخِ نَذْكُرُهُ
وَمَوْعِظَاتٍ لِمَنْ يَخْشَى وَيَعْتَبِرُ
وَالأَنْبِيَاءُ كَكُلِّ النَّاسِ قَدْ شَرِبُوا
كَأْسَ الْمَنِيَّةِ وَانْصَاعُوا لِمَا أُمِرُوا
وَالْمَوْتُ يَفْنَى وَنَفْسَ الْكَأْسِ يَشْرَبُهُ
فَالْمَوْتُ خَلْقٌ بِأَمْرِ اللهِ يَأْتَمِرُ

سُبْحَانَ مَنْ خَلَقَ الأَكْوَانَ مِنْ عَدَمٍ
فَإِنْ أَرَادَ لَهَا تَذْوِي وَتَنْدَثِرُ
إِذَا أَرَادَ لِشَيءٍ أَنْ يَقُولَ لَهُ
بِالأَمْرِ كُنْ ، فَيُلَبِّي أَمْرَهُ الْمَدَرُ
يَكُونُ خَلْقاً بَدِيعاً غَيْرَ طِينَتِهِ
يَسْعَى وَيَلْهَثُ فِي الدُّنْيَا ، وَيَنْتَشِرُ
سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لاَ شَرِيكَ لَهُ
الْمُلْكُ مُلْكُهُ ، وَالأَكْوَانُ ، وَالْقَدَرُ
الْوَاجِدُ ، الْمَاجِدُ ، الْبَاقِي بِلاَ أَمَدٍ
الْوَاحِدُ ، الفَرْدُ ، قَيُّومٌ وَمُقْتَدِرُ
هُوَ الْمُهَيْمِنُ فِي كُلِّ الْحَيَاةِ ، فَلاَ
يُثْنِيهِ عَنْ أَمْرِهِ ضَعْفٌ وَلاَ خَوَرُ
هُوَ الْقَوِيُّ ، الْمَتِينُ ، الْحَقُّ ، خَالِقُنَا
هُوَ الْخَبِيرُ الَّذِي يُبْلِي وَيَخْتَبِرُ

فَارْجِعْ صَدِيقِي عَنِ الدُّنْيَا وَزُخْرُفِهَا
وَارْجِعْ عَنِ التِّيهِ فِي دُنْيَاكَ تَنْتَصِرُ
أَنْصِتْ لِصَوْتِي وَحَاذِرْ مِنْ نَوَائِبِهَا
وَاسْلُكْ سَبِيلَ الهُدَى إِنْ كُنْتَ تَفْتَكِرُ
وَاسْتَغْفِرِ اللهَ مِنْ ذَنْبٍ وَزرتَ بِهِ
فَاللهُ يَعْفُو وَغَيْرُ الشِّرْكِ يُغتَفَرُ

ليست هناك تعليقات