بقلم الشاعربهاءالدين بدوي‎ عنوان القصيدة هكذا يكون الحب

وإنحنيت إحتراماً لهذه السيدة ..

----------------------------------

في إحدى السنوات ، وبينما كنت أؤدي فريضة الحج .. كنت جالساً في خيمتي في منى ولفت نظري أمام باب الخيمة سيدة مسنة تبلغ من العمر مايقارب السبعين 

عاماً .. كانت تروح وتجيء وتتمتم بكلمات لم أفهمها .. وكان يبدو عليها القلق والخوف والتوتر ، وكأنما تبحث عن شيء غالي فقد منها .. خرجت من خيمتي واقتربت منها عساني أستطيع مساعدتها ، وبدأت تتحدث معي بلغة على مايبدو أنها تركية أو روسية أو شيء من هذا القبيل .. إستمعت اليها وطمأنتها بلغة الإشارة .. حاولت التحدث معها بالإنجليزية ولم تفهم كلامي ، واستمرت هي تشرح مشكلتها لي بلغتها . ظننت أنها فقدت نقودها ، عرضت عليها بعض النقود رفضت بشدة وشكرتني . كانت تروح وتجئ وتعود الى نفس المكان .. ذكرتني بالسيدة هاجر حين كانت تبحث عن الماء لرضيعها .. حاولت البحث عن أي أحد يفهم لغتها ولم أجد .. كانت تصيح وكأنها تنادي على أحد لايسمعها ، كانت تقول (آلي .. آلي ) ، يبدو على وجهها الحزن والفزع .. وفجأة وعلى حين غرة تركتني وانطلقت بسرعة الصاروخ وهي في هذه السن .. إتجهت الى رجل في مثل عمرها تقريبا ، يتوكى على عكازٍ له .. شعره أبيض ولحيته بيضاء جميلة ، يرتدي جلباب ابيض .. يبدو على ملامحه الإرهاق ، ولكن مع ابتسامة جميله على وجهه - الذي كان محفوراً عليه تجاعيد الزمان - إبتسامة تحمل كل معاني الرضا والصبر .. المهم .. حين وصلت إليه أختنا في الله وكان على بعد حوالي عشرين متر منها .. أمسكت به وأخذت تقبل رأسه ويده بحنو شديد وتربت على كتفه وظهره .. كانت تتحدث وتهمس اليه وعلى وجهها كل آيات الرقة والحنان .. وكانما كانت تعاتبه وتقول له أين ذهبت ياحبيبي لقد كدت أن أموت من غيرك .
وكنا في فصل الشتاء .. وخلعت السيدة البالطو التي كانت ترتديه وألبسته لهذا الرجل الذي كان يقف مستسلماً لها تماماً في مشهد إنساني بديع لم أر مثله في حياتي .. ذهبت اليه محاولاً فهم مايحدث واستطلاع الأمر .. وكان يتحدث القليل من الانجليزية ، أفهمني أنه تاه عن زوجته في الزحام عندما كانوا يرمون الجمرات بالأمس ، ولم يجدها ولم تجده ، وقال لي أن زوجته لم تنم منذ الأمس .. كانت تبحث عنه .. بكى الحاج علي التركي .. وبكت زوجته .. وبكيت معهم .. وانحنيت احتراماً لهذه السيدة المخلصة الرائعة .. وتركتهم وانصرفت .

أيها السادة والسيدات .. أيها الأزواج والزوجات .. هكذا يكون الحب ..

وكل عام وحضراتكم جميعاً بكل خير وحب وسلام ..