كانت محطة القطار بالقاهرة مزدحمة بالمسافرين ؛ وهو يتحرك هنا وهناك يقطع الدقائق المتبقيه علي قيام القطار..إصدمت به فتاه كانت تمر في الإتجاه المضاد مسرعه .. جمع معها الأشياء المبعثره تحدثت إليه بحده بلهجه غريبه
. ألا تري ؟ نظرت اليه .. لم تكمل العباره ..
حاول أن يشرح أو يعتذر لكنها إبتعدت مسرعه .. نظر في ساعته .. تحرك في إتجاه القطار .. جلس علي كرسيه .. فض إحدي الجرائد اليوميه قرأ العناوين .. كانت مليئه بصور الدبابات والطائرات .. التعليقات الحربيه . المقالات السياسيه .. كلها تتحدث عن الحرب .. إصطدمت به للمره الثانيه إبتسم لم تنتبه إليه ؛ قال لها وهي تجلس الي جواره. ..
أعتقد أنك تعرفين خطأ من هذه المره ؟
أنتم هكذا يا مصريين متعجليين "
ربما لكن هذا من .. ( قاطعته) ..
عواطفكم ستسبب لكم الكثير من المشاكل ..
سألها .. عن جنسيتها بعد أن لاحظ تلك اللهجه في حديثها ..
كويتيه ..
حضرت بسبب الأزمه .. شئ مؤسف ..
لا .. حضرت هنا قبل الغزو .. كنت في باريس وروما وبعد ذلك مصر .. ثم حدث الغزو ..
تشعرين بالحزن من أجل الكويت ؟؟
قالت في ثقه :
بلدي سوف يعود .. هذه حقيقه مؤكده .
( هزت رأسها في خيلاء ) كما تري لن يصمد أمام كل هذه الأسلحه والجيوش .
لكنها ستكون مذبحه أصبحت ألان الاوطان بلا هويه ) ).
أجابت وكأنها لم تسمع العباره الأخيره :
الحر" هون " أرحم من الثلج في أوروبا ...
بلدكم جميله ( أضافتها ) وهي ترفع نظاره سوداء من فوق عينيها .. هاله اتساعها .. عيون المها .. ظل يحملق في عينيها .
صوت ضحكه عاليه . تنبه وهي تسأله :
لماذاتنظر الي هكذا..عاده سيئه أخري تحبون كثيراًً البحلقه .
ليست مسأله بحلقه .. حب الجمال طابع ورثناه عن الفراعنه .. حتي طيبه القلوب والبساطه .. يقولون أن المصري كان لا يعترض أبداً .. حتي لو ضرب بالسياط أوعلق .. أو لو أخذت منه إبنته الجميله من أجل الملك . وهكذا ترك لنا الفراعنه الأثار العظيمه والعادات .. صمت ..
نعم قالتها في فرح . الأ ثار لولاها ما حضرت كل عام .. سحر .. تردد .. (الأهرامات .. فيله .. أبو زمبل ) ..
تقصدين أبو سمبل .. ( قالها في سخريه ) ) .
الفراعنه ؛ كانت لم تزل مغمضه العينين " هيه " أنتم تملكون ما لا تستحقون .. أشياء أعظم منكم
أعظم منا .. الحضاره بناها المصريون .. وعلموا العالم معني الحضاره وأجيال من نسلهم حموا بلادكم وعلموا العالم كله شتي العلوم .. لكن من يستطيع الأن أن يكون صادقا مع نفسه . .
( قالها بانفعال شديد ) ووضع رأسه بين ورق الجرائد وكأنه لا يريد الحديث معها
إستمرت .. قالت لم تقل لي شئ عن حياتك .. أسمك ؟
لم يجب …
أغاضب أنت .. هكذا أنتم .. الزعل .. الفرح .. سريع عندكم علي كل حال أتأسف .. ( بلا ش يكون دمك ثقيل .. علي كل حال سمارك هيم أحسن من الأول ) . تمد يدها اليه بكوب الشاي .. يرفض .. تكرر طلبها قائله هذا تصرف خال من ( الإتيكيت ) في أوروبا .. ( يقاطعها بأنفعال )
يا دي ( النيله ) أوروبا ..أمريكا .. ألا يكفيكم أفتخار بهم .. نحن جعلنا من هذه البلدان شئ له قيمه واليوم هم يهدموننا بمعول المدنيه الزائف بأيدينا ..
عظيم .. صافي يا لبن .. تعثرت الكلمات .. أليس هكذا تقولونها . جميل أنت .. قالتها وهي تنظر إليه في ود واضح .
كانت الكلمه مفاجأه .. رشف الشاي في سرعه أصابته في حلقه .. فهو لم يكن يتوقع مثل هذه العبارات من فتاه غنيه مثلها . . تماسك .. نظر الي الأرض في حياء .. قال لها مستدرجا .
هل الجمال مطلوب في الرجل .. ؟
ليس بهذا المعني .. لكن لابد ألا يكون قبيحا .
إن الله يخلق البشر ويصورهم كيف يشاء .. فلا يستطيع أحد علي الاعتراض .
ما إسمك ؟ وماذا تعمل ؟
علي .. محام تحت التمرين .
ريم .. وأحب دراسة القانون .
أجابها بفخر .
نعم فهي تجعلنا أقرب الناس إلي جميع طبقات الشعب .
. إنكم تحبون كل شئ لذلك نحسدكم
. يا الله من أين لنا بتلك اللغه الشيطانيه .. الحسد .. الحدود ..الزي .. كأن كل منا له هويه تختلف عن الأخر .. كيف إستطاعوا تغييرنا ؟!
. من هم ؟
. من يتحكمون الأن في مصائر الشعوب .. الغرب .
. يا سلام .. دول حاجه تانيه .. ألم تذهب الي هناك ؟! حاجه تجنن .
. أراد أن يجيب .. سبقته كلماتها في حماس وإنبهار .
. أصبحت حضارتهم تسير بين السحاب .. الأقمار الصناعيه .. الصواريخ النوويه .. القنبله الذريه .. السيارات .. الأزياء .
( يقاطعها )
. ما هو المبهر في حضارتهم ؟
مئات الملايين من الفقراء والأطفال يموتون جوعا كل يوم لو أنفق عليهم واحد في المائه من ثمن هذه الأسلحه المدمره لكان الأمر يختلف بالنسبه للعالم .. إنها حضاره من أجل خراب العالم .. الأزياء هذا ما لا أستطيع أن أنكر تفوقهم فيه تعريه النساء والرجال بإسم الموضه .. الميني جييب .. البيكيني . . لم يكن قد نظر إلي ما ترتديه .. ميني جييب .. تي شيرت يبرز معالم بطنها وأجزاء أخري يكشف كل مفاتنها .
. الفلاحون هم من يعرفونه جيدا وكل إمرأه تحترم ليس دينها فقط بل ونفسها . الفلاحيين من يتصبب منهم العرق والدم من أجل لقمة العيش .. لكن أنتم يا من تملكون المال الوفير في أي الأغراض تستخدمونه .. هيه .. سأخبرك سيدتي .. علي صالات القمار والعقارات بالغرب وعلي النساء العاهرات في نيويورك وشرب الخمر . وإقتناء الحيوانات الأليفه . لكن فقراء الأمه فلهم الله خالقهم.
كان الهجوم عاصفا وعلي حين غره مما زاد المساحه الحمراء في وجهها فحاولت أن ترد لكن الكلمات برغم قوتها خرجت غير مرتبه .
. وانتم ليه عندكم شارع الهرم . . والفنادق التي يلعب فيها القمار وشرب الخمر ؟؟
. أسف أصلي فلاح صح .. لا أفهم ما تقولين أو تلبسين أو تفكرين .
( يلزم الصمت ناظراً أمامه في غيظ .. لام نفسه بشده ..أخذ يقرأ الجرائد .. تحركت دمائه . . جمع الجرائد وأتجه إلي الأمام كعادته رافضاً المواجهه . أستأذن .تبادل كرسيه مع شخص أخر )
مرت دقائق .. يأتي صوت عالي .. ضجيج .. صوت يأتي بجوار أذنه قائلا .
. مبسوط .. هذا الرجل عنده جراءه .. يبتسم .. تستطرد .
. تغضب مثل الأطفال ماهو الحل ؟ تعود إلي مكانك .. لا يهم تستأذن .يقوم الجالس الي جواره . تجلس .
. بتضحك ومبسوط " مو هيك " تريد أعتذاري لك هذا ..تستأذن منه لدقائق . وتعود وفوق رأسها طرحه سوداء عربيه لفتها فوق شعرها .. وعباءه حريريه سوداء غطت معظم جسدها .. ظل الميني جييب ظاهر تحت عبأتها وساقاها العاجيتان العاريتان تبدوان بوضوح من تحتها .. جلست .. أطلقت عباره أثارت الأسئله في عقله ..
. الإسلام ليس زيا وهذا أفضل ولو نسبيا ..
. إنك لا يعجبك شئ .. ماذا تريد أن أفعل كي أنال إعجابك ؟
. هل يهمك هذا الإعجاب ؟
. لا أعتقد بأنك غبي ؟
. بهذه السرعة؟
. علي ما يبدو أني قد فهمت خطأ .. تتجهم .
قال لنفسه لم لا .. نحن جميعا سواسيه هم أغنياء ونحن .. قاطعته.
. كل هذا من أجل قرار . قبيحة أنا لهذه الدرجه .
. أخاف النساء .. ثم لماذا أنا ؟! وبهذه السرعه ؟!
. السرعه ضروريه هذه الأيام مثل هذا القطار .
إلا المشاعر
. أسفه
. السؤال لماذا أنا ؟َ!
. من غير ليه .. ألم تسمع الأغنيه .. تبتسم في نعومه ورقه .
. هذه أغاني .. الشعراء دائما يحلمون بالمدينه الفاضله في قصائدهم الحالمه . الواقع أمر أخر .
. صدقني .. لماذا لا تكون بدايه لقصه من هذا النوع من الحب .. أعجبت بك لحظه ( الاكسدان ) بيننا .
. عواطفك متقلبه وهذا ما أخشاه يا ريم ؟
. لست منهم صدقني .. زاد الخجل من حمرة وجهها .. لم أنل إعجابك .. تكرهني أليس كذلك ؟
. غير صحيح .. كلمه الحب غاليه بل أغلي سلعه في الوجود ولا تقدر بثمن ..غداً تعودين للوطن ...
. لا أعرف متي تعود بلادي .. فأنا منذ تلك اللحظه بلا وطن ..وأنت وطني الثاني !!
. برغم ثقتك في الغرب وحبك لأوروبا .. والآلأف المؤلفه من الجيوش التي إحتشدت والمعدات الحربيه الرهيبه ..
. لا أعرف ما يملكه من أسلحه وقد لايعود وطني قبل سنوات ..وقد لا يعود مطلقا .. لا أريد الانتظا ر لما سوف يحدث .
. لا داعي لليأس غداً يعود بلدكم ..
يأتيه السؤال قاطعاً :
. أتحبني ؟
يتجاهل السؤال :
. هذا شئ هام لابد أن تعرفيه . . أنا مديون .. لم أبدأ حياتي العمليه بعد كي أحقق لنفسي كل الأماني .
.. ....لا يهم .. والله سوف أسدد كل ديونك .. وسأقف الي جوارك حتي تصبح كيفما تحب لدي الكثير من الأموال و المصانع .. قبل أن يجيبها بكل شوق يأتي صوت المذياع الداخلي . نصل الي محطة سيدي جابر .. خبر هام .. عادت أرض الكويت .. نهنئ المسافرين .. ستحرر بقيه الكويت خلال أيام .. نزف البشري إلي الإخوه العرب .. ينظر إلي جواره لا يراها .. يقف ينظر إلي الخلف .. يرنو ببصره عبر الباب .. يتحرك القطار .. يراها تقف علي رصيف المحطة والحقائب بيدها .. يشير لها ناظر المحطه إلي الساعه .. يظل واقفا بجوار الباب معتقدا بأنها أتية .. تشير إليه قائله .. لا وقت للحب .. لابد لي من العوده .. الوداع يا مصري .. يضحك.. يقهقه.. يجلس ينظر في الصحيفه المسائيه يتابع أخبار المعركه .
تمت
نشرت مجلة البدايه 21/4/2003
مجلة القصه بالاسكندريه
وعدد من الدوريات الاخري
( من مجموعه لقاء من نوع خاص )
لقاء من نوع خاص ، بقلم / رضا عفيفي السيد
مراجعة بواسطة عبده جمعة مدير تحرير رؤية قلم
في
3:09:00 م
التقييم: 5
ليست هناك تعليقات