أحدث المواضيع

همسكِ أمي ، بقلم / حورية ميلك

كانت أسعد مخلوقة على وجه الأرض ،عندما علمت أنها تنتظر طفلا ،بالرغم من حزنها على زوجها ،قررت أن تعيش من أجله وفقط ، كل يوم يمر عليها تزداد سعادة لقرب قدوم أنيسها الذي سينسيها كل الآم الزمن ، ومعاكسة الأيام لها ، لم تكن تدري أن السعادة الحقيقية يوم تراه بين ذراعيها ،جاءت ساعة اللقاء ، كان أجمل ماخلق الله ،وكان أعظم إحساس في الوجود ، الأمومة ، تهادى ضعيفا وهي له كل الحماية ، أفنت العمر من أجل سعادته وجاء يوم السعد الأكبر الذي تتمناه كل أم ، بالرغم أنها ستفتقده بعض الأحيان ، لم تكن تدري أن يوم سعده هو ، هي بداية تعاستها ،بعد سنة من زواجه تغيرت الأمور عن آخرها، لم تعد تراه ولا يهتم لحالها ، من تعود الأخذ لا يستطيع العطاء ، تشعر بابتعاده عنها كل يوم أكثر ، لم تكن تدري مالسبب ، أو كانت تدري ولا تريد تصديق الخبر، لم تتدخل يوما في علاقته مع زوجته ،لأنها يكفيها سعادته ،لها أسبوع لم تغادر فراشها ولا أحد شعر بغيابها ، مرض أصابها ، وأوهن قواها ، لكن الله وحده رعاها ، وتحركت بعده ، لتسأل قرة عينها ، المساعدة ، لبى الطلب ، قال الطبيب لابد لها من الرعاية لأن قلبها ضعيف وتعب السنين جعلها لا تقوى على المزيد ، احتار الأبن ما العمل ، وزوجته لا تريد ، مرت أيام عليها لا تتحرك إلا ،قليلا .... لقضاء الحاجة والصلاة ، لها الله يحميها ،سمعت ذات مرة دون قصد ، كلام كنتها ، خذ أمك إلى دار المسنين ، فلا نستطيع حملها ، بقى الأبن حزين يفكر كيف سيخبر أمه ، عن قرار ليس له ، كيف يتخلى عنها وهي لم تفعل ، أفنت العمر وكانت ستكمل ، بحركة بطيئة والدمع بعينيها .... حزمت حقيبتها ، من سجادة وازار قديم ، ومجموعة صور لابنها منذ سنين ،وكانت حقيبتها ملآ بالأحزان والافراح سويا ، رحلت دون أن يشعر أحد برحيلها ،ما أقساها من حياة ، ورد للجميل ،تاركة رسالة على سريرها ،"بني لك حياتك ولي رب يرعاني .. لك حبي وحناني ودعواتي ؛ راحلة لسعادتك إبقى ولا تفكر أنها باقية على مر السنين ،لك وحدك قد عشت ، ومن أجلك .... سأضحي وأرحل ... لا تبحث عني .... امضاء بدمعة ام حنون .....

لم تكن حاقدة لأن قلبها يسع الدنيا وحنانها يغرق الأمة ،فقط تتمنى السعادة الأبدية لروحها وقرة عينها .. وحيدها . ليلتها لم ينم هناك حلم بل كابوس يزعج نومه ،يرى أمه تدفن ولا يستطيع رأيتها أو الوصول إليها بالرغم من قربها ،تكرر الكابوس وهو يصرخ كل ليلة ،وينهض مفزوعا مع أهله،ينادي أميييييييييييييي....اميييييي....... لا تموتي ، اسودت الدنيا في وجهه وهو باحثا عنها ،لم يجد لها أثر لم يسعده حتى مولوده الأول ، سبحان الله حرم من أول فرحة ،أصبح كالمجنون ، لايفقه ما يقول ، زار حتى القبور وكل يوم يسأل عن أي ميت سمع به ربما هي تكون أمه ...... لم يترك أي مشفى ، مابقى له إلا التكفير عن ذنبه ،ربما يكون عند الله مغفور ،ترك عمله الأصلي وأصبح عاملا في بيت المسنين يعتني بهم بنفسه ولا يستكين بالرغم من تعبه الشديد ، حتى جسمه أصبح هزيل ،لم يعد كما كان تغير من حال إلى حال سبحان مغير الأحوال ، كانت هناك عجوز ، أنهكها المرض ،...غير ملامح وجهها كان يشعر بدقة في قلبها وهي تشعر بنفس النبضة ، يعتني بها عناية خاصة ،هي ضعيفة البصر ،دائما تصلي وتسأل الله أن يسعد أبنها ،ويرحمه من ظلم الزمن ويعتقه من النار فهي سامحته على كل مافعل ،كان يسمعها دون أن تدري ،وفي يوم قرر سؤالها ،أحكي لي يا أم لما انت هنا أليس لكِ أهل،قالت بلى لي أعز مارزقني الله أبن ، بارك الله في عمرك وحافظ على أمك ، أحكي لي يا أم ،بدأت تحكي وقلبه يتشقق وينكسر والدمع من عينيه ينهمر ،ضاق صدره أكثر ، وانفجر صارخا أماه مافعلت بكِ ، ابن عاق أنا ولا أستحق ،منكِ الدعاء الذي كنت أسمع ، أماه دعيني أقبل رأسكِ الزاكي ،وأقبل تراب رجليكِ ،وأمرغ رأسي على صدركِ ... هي لم تصدق ماتسمع.................................. أكمل الحكاية وتمتع بعد الحزن ولا تجزع فالله رحمته أوسع

لهمسكِ أمي أسمع وأجمل مافي الوجود أنكِ أمي ........ أحبكِ أمي

ليست هناك تعليقات