أحدث المواضيع

المرأة تناضل من أجل مساواة كفيلة بتخفيف حدة التوتر في العالم بقلم : عبد الجليل معالي



يكفي إجراء عملية استعراض عاجلة لوضع المرأة لتبيّن أنها تعيش وضعا مترديا في كل أرجاء العالم وبتفاوت بين الأقطار، فالمرأة التي تمثل نصف المجتمع –عدديا وقيميا- والتي بإمكانها لعب دور حيوي في النهوض به إن أطلقت قدراتها ما تزال تعاني وقع النظرة الدونية الذكورية. تتفق الأديان السماوية والمواثيق والعهود الحقوقية الكونية على ضرورة إيلاء المرأة وضعا مساويا للرجل يقوم على كونها إنسانة ونصفا للمجتمع وينهضُ أيضا على المهمة المنوطة بعهدتها، لكن تعبيرات الإقصاء والدونية تتخذ أحيانا أشكالا قصوى في بعض الأقطار في «خيانة» واضحة لنصوص دينية مقدسة حثت على المساواة.

معاناة المرأة في الأقطار العربية الإسلامية ليست نابعة من النصّ الديني بل تنهل من قراءات أو تأويلات متشددة للنص الديني عكست تراتبية اجتماعية سائدة يحظى فيها الرجل والمجتمع الذكوري بأفضلية على حساب المرأة. وهي تراتبية حصلت نتيجة تراكم تاريخي تداخلت فيه الأبعاد الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لتنتجَ مجتمعا مشكّلا وفق نظرة ذكورية «بطريركية» تقدم الرجل على المرأة على جميع الأصعدة.

الحديث عن التعبيرات القصوى لهذه النظرة المتشددة والمقصية للمرأة يحيلنا على استعراض أمثلة حيّة وسائدة «للرجل الأعلى»، ويكفي أن نشير إلى العنف المسلط على المرأة وزواج القاصرات وجرائم الشرف ورجم النساء (وهو سلوك ما يزال مستعملا في عديد الأقطار العربية) فضلا عن خفض النساء وإجبارهنّ على ارتداء النقاب، لنتبيّن أولا حجم الحيف المسلط على نصف المجتمع، ولنتوصّل ثانيا إلى أن عملا كبيرا ينتظر المجتمعات العربية للنهوض بنصفها «المهمل» والمدان والمهان.

ففي أفغانستان وباكستان والهند واليمن والسودان ومصر والأردن وبعض أجزاء فلسطين وغيرها من الأقطار ما تزال «جرائم الشرف» سائدة بكثافة وتصل تعبيراتها القصوى حدّ «رجم المرأة» المذنبة التي خرجت عن السياق المجتمعي، وهو عقاب يقطع مع كل امكانية لتطبيق القانون حيث يعمد المجتمع الذكوري والتقاليد إلى إنتاج عقوباته الخاصة والمعدّة سلفا للمرأة المذنبة، أي أن تحول المرأة إلى وضع «المواطنة» مازال محلّ تساؤل. كما تشهد أقطار عربية إسلامية عديدة انتشارا ملحوظا لعادات خفض النساء التي تمثل بدورها إدانة مسبقة لها واعتبارها موضوع متعة جنسية واختصارا لدورها في الوظيفة الجنسية الجسدية، ولكل ذلك يعمد المجتمع والعادات إلى «إنتاج» شكل وقائي يضع في اعتباره -مسبقا- إمكانية خروج المرأة عن السراط الاجتماعي.

وتناضل المرأة في أقطار عربية أخرى من أجل حقها في المشاركة السياسية وفي قيادة السيارات وفي السفر وغيرها من «الحقوق» التي توقفت مجتمعات أخرى عن إثارتها والمطالبة بها منذ عقود طويلة.

ارتفع منسوب إدانة المرأة بصعود «أسهم» التيارات الدينية على خلفية ثورات عربية طرحت ضمن أولى أهدافها إعادة تشكيل مجتمع سويّ ومتساو، لكن الأحداث المترتبة عن هذه المستجدات السياسية أفرزت تخوفا عاما من التراجع عن بعض المكاسب التي حققها المجتمع والمرأة – بتفاوت بين الأقطار-، ففي كلّ الأقطار العربية الإسلامية نشهد يوميا أحداثا ووقائع تؤكد على البون الشاسع بين وضع راهن موجود للمرأة العربية المسلمة وبين وضع منشود منتظر ترنو إليه المجتمعات لإطلاق مقدراتها. صعود التيارات الدينية إلى صدارة المشهد السياسي في أنحاء واسعة من العالم العربي الإسلامي ترافق مع تخوفات عديدة من النكوص والتراجع حتى عن بعض المكاسب المحققة، أو أن يشهد مسار نضال المرأة العربية البطيء انتكاسة على غرار ما حصل في إيران وأقطارا أخرى عاشت تجارب سياسية مشابهة.

الوضع الدوني للمرأة لا يهم العالم العربي الإسلامي فقط بل ينسحبُ كذلك على الغرب المحتفي – ظاهريا – بنسائه، حيث تتخذ أشكال الحيف المسلط على النساء تعبيرات أخرى ونبهت دراسات فكرية وفلسفية غربية عديدة إلى أن الوضع النسوي في أوروبا والعالم الغربي أفرزَ ضروبا من تشييء المرأة وتحويلها إلى سلعة أو «جسدا للإشهار» (على حد تعبير ميشال فوكو).

ولئن لعبت منظومات اجتماعية وسياسية متداخلة دورا كبيرا في تشكيل صورة ووضع المرأة العربية المسلمة، فإن دوافع أخرى تقف وراء الوضع الدوني الذي تعيشه المرأة الغربية وهي أساسا منظومة اقتصادية رأسمالية تتمثلُ في قواعد السوق المعولمة، التي فرضت نمطا اجتماعيا عجزت القوانين الأوروبية المتقدمة عن الحيلولة دون إنتاجه لنموذج إمرأة/سلعة.

المرأة التي يفرض عليها النقاب وتتعرض للرجم، أو المرأة التي تفرض عليها قواعد السوق الشرسة أن تتحول إلى سلعة أو جسد إشهار، هي امرأة مقصاة بأشكال ودرجات مختلفة، وإقصاؤها بنفي حقوقها يؤثر على بنية المجتمع برمته.

نخلص إلى أن المرأة سواء كانت تعاني الحيف الاجتماعي في تعبيراته الدينية والاجتماعية المغالية والقصوى من قبيل حرمانها من حقوقها الأساسية، أو كانت تعاني حيفا آخر يتمثل في تحويلها إلى سلعة وجسد يصلح لتسويق المنتوج، هي في النهاية امرأة «مظلومة» ومقصاة من دورها الحقيقي الذي يجب أن تلعبه في المجتمع وهي أن تكونَ مواطنة تتساوى في الحقوق والواجبات مع الرجل، لتساهم في تشكيل مجتمع سويّ يبنى باشتراك كلّ مكوناته وعناصره. ولا شكّ أن تقلّد المرأة لموقعها الحقيقي سيخفف من توترات اجتماعية عديدة، ويقطع الطريق امام تشدد يتخفى وراء مقولات دينية أو سياسية أو اقتصادية.

عندما يتصالح مجتمع ما مع ذاته ومع نصفه المقصى ستسهل عليه معالجة ندوبه وتشققاته الأخرى مثل التوتر الطائفي أو المذهبي أو الديني. فالمجتمع السويّ القائم على المواطنة الحقة لن تعوزه سبل معالجة أورامه الأخرى الأقلّ عسرا، لأنها ناتجة أيضا من قراءات مغالية.

والثابت أن تصحيح وضع المرأة في العالم بأسره يتيح امكانيات واسعة لتحقيق التعايش بين أفراد المجتمع ومن ثمة بين البشرية بمختلف مكوناتها، حيث يمكن الانطلاق حينئذ من المشترك الانساني لبناء عالم أقلّ تشددا وتوترا وطائفية وعنصرية.

ليست هناك تعليقات