ألف مبرووك للكاتب عبد الرحيم دليل لفوزه بالمركز الثالث

"" 22 ""
قصة
** سر علية البيت المغلقة **
بقلم : عبد الرحيم دليل
-------------------------
كنا قد انتقلنا حديثا للعيش في منزل جديد، كان البيت قد بني خلال فترة الاستعمار، ولذلك كان يتسم بالطابع المنتظم والمعقد في الوقت نفسه، كان به ثلاث طوابق، وعند السقف كانت العلية المغلقة، لم يسلمنا صاحب البيت مفتاحها بحجة أنه قد أضاعه، ولكنه حذرنا من الاقتراب منها، لأنها مكان مسكون بالأشباح، وفي أثناء الليل تصدر أصوات مرعبة منها.طبعا أخذنا تلك النصيحة بعين الاعتبار، ولم يجرأ أحد من أفراد الأسرة أن يقترب منها، مضت سنة كاملة ونحن نعيش في ذلك المنزل، كان طيلة تلك المدة يشغلني التفكير في سر تلك العلية، هل حقا ما قاله لنا صاحب البيت حقيقي، وان كان حقيقيا أما آن الأوان لنعقد اتفاقا مع المقيمين هناك.
قررت ذات مرة أن أذهب لتفقد المكان، في تلك المرة تمكنت من الوصول حتى باب العلية الموصد بالسقف، كان به عدد كبير جدا من الأقفال الكبيرة، دنوت منه وحملت بيدي عصا معدنية، وحاولت تحطيم تلك الأقفال، وأول ما وجهت تلك الضربة، تردد صداها في كل مكان، ولكن فجأة سمعت صوت وقع الأقدام تركض فوق رأسي، فقفزت من مكاني، وهربت مسرعا نحو خارج البيت،، اتجهت إلى الحديقة، تمددت على الأرض وأخذت أسترجع أنفاسي، كان قلبي ينبض بشدة، اعتدلت في جلوسي، ثم نظرت إلى نافذة العلية التي كانت مغلقة بستار، وقلت في نفسي، هذا سخيف، لماذا خفت وأنا لا أعرف حتى ما هي تلك الأصوات.
كل ما حدث معي زادني إصرارا على كشف سر تلك الحجرة، وبعد يومين على تلك الحادثة، صادف وأن غادر كل أفراد الأسرة، واتجه كل واحد إلى عمله، وبقيت أنا بمفردي في البيت، أدركت أنه إذا لم تفتح غرفة الأسرار تلك هذا اليوم، فلن أتمكن من فتحها أبدا، ولذلك جهزت كل العدة الضرورية، وصعدت نحو الأعلى، كان الوقت ظهرا، أخذت نفسا عميقا، ثم نظرت بإصرار إلى ذاك الباب، أمسكت المطرقة وانهمرت على الأقفال أحطمها واحد تلوى الآخر، أخذت الأصوات تتعالى والغبار ينزل علي، ولكنني لم أستسلم حتى كسرت آخر قفل، لا أنكر أنني في تلك اللحظة شعرت برجفة في كل أنحاء جسدي، وانتابني خوف شديد، ولكني أدركت أنه لا مجال للانسحاب الآن، أمسكت مصباحا وعصى كبيرة ثم دنوت من الباب الملتصق بالسقف، سحبته بسرعة وتراجعت إلى الخلف، ظهرت سحابة كبيرة من الغبار غشتني بالكامل، وترددت أصوات مرعبة في كل مكان، بقيت في مكاني حاجبا النظر عن عيناي حتى انجلت سحابة الدخان، كان الجزء الآخر من الباب عبارة عن سلم يؤدي إلى الأعلى، ترددت قليلا في الصعود، ثم أطلقت العنان لقدماي وبدأت أصعد بهدوء شديد مترقبا لكل حركة من حولي، كان المكان مظلم وبه فقط خيوط رفيعة من أشعة الشمس التي انسابت عبر الشقوق في السقف، وكان بالمكان نافذة كبيرة ولكن وضع عليها غطاء، فأسرعت مباشرة إليها وأزلت ذاك الغطاء، وفاندفعت أشعة الشمس للداخل وكأنها كانت في سجن وقد حررتها منه، وعندما التفت خلفي كانت المفاجأة أعظم، كان المكان مليء بالكثير من الصناديق ولكن المئات بل الآلاف من الجرذان والعناكب اتخذت من ذاك المكان ملجأ لها، كان المكان يبدوا مقرفا، شعرت بالراحة وزال كل الخوف الذي كان ينتابني عند البداية، عدت مرة أخرى إلى المستودع وأحضرت منه مكنسة وقليل من المياه و عصا مسطحة، وعدت إلى العلية، واندلعت معركة ضارية في المكان للتخلص من تلك المخلوقات، وبعد مدة تحول المكان إلى ساحة حرب، الجثث والدماء تملأ كل المكان، كنست المكان وتخلصت من القمامة، ثم عدت ونظرت إلى تلك الصناديق الكثيرة، اقتربت من واحد منها وفتحته لأعرف محتواه، المفاجأة كانت أنه كان يحتوي على عدد كبير من الكتب باللغتين الفرنسية والإنجليزية، فبدأت بفتح باقي الصناديق فكانت كلها بالمثل، جلست على الأرض نظرت من حولي متأملا والابتسامة الساخرة تعلوا وجهي، فجأة وقعت عيني على ورقة وضعت أعلى أحد الصناديق، كانت مكتوبة بالانجليزية، تعود إلى صاحب الكتب وقد ورد فيها.... عزيزي أيها القارئ لهذه الرسالة، لقد تعذر علي نقل كل هذه الكتب معي إلى وطني، ولكني سأتركها لك غلا ترميها أو تهملها، في مجموعة قيمة وغنية جدا بالعلوم والمعرفة، أمضيت كل عمري في تأليفها، أعلم أن هذا يبدوا سخيفا من جندي انجليزي حارب وطنك وقتل اهلك، ولكن الكتب أهم من صاحبها، فلهذا يا صديقي إن طال بي العمر ربما سأعود لآخذها فلا تجرح مشاعري عندما ألقاك عندها............... من الطبيب والجندي د. جاك.
صراحة لقد شعرت بعد قراءتي لتلك الرسالة بالحرقة التي انتابت هذا الرجل وكأنه يتخلى عن جزء من جسمه، لم أدرك ما علي القيام به، وبقيت مدة أنظر لتلك الصناديق تارة ولتلك الرسالة تارة أخرى، حتى جالت بذهني فكرة كانت تبدوا رائعة.
نهضت من فوري وأخرجت كل تلك الصناديق إلى باحة البيت، ثم عدت إلى العلية وقمت بتنظيفها مرة أخرى، أحضرت الدهان وشرعت أعيد دهن الجدار بعدما أصلحت السقف وأغلقت كل تلك الثقوب التي كانت به، ثم غيرت النافذة ووضعت مكانها واحدة أخرى تفتح بسهولة وحجمها مناسب للمكان، ثم عدلت المكان بوضع عند الزوايا وبالقرب مكن النافذة رفوفا كنا نحتفظ بها في المستودع، وجعلتها على ارتفاع مناسب، ثم عدت إلى الحديقة مرة أخرى وأخرجت كل تلك الكتب من الصناديق، نفضت عنها الغبار ومسحتها جيدا حتى أصبحت جديدة، ثم حملتها إلى العلية وقمت بوضعها على الرفوف حسب الأصناف المتوفرة، واتخذت من تلك العلية مكانا خاص بي، أعني مكتبة خاصة بي، عندما انتهيت جلست عند المدخل وأخذت أراقب المكان، لقد كان يبدوا رائعا، وشعرت في نفسي بسعادة شديدة، ثم انفجرت ضاحكا عندما تذكرت كلام صاحب البيت السابق،" قال أشباح قال"، وهكذا تحولت العلية المخيفة إلى مكتبة مفيدة.
ثم استنتجت مع نفسي أنه علينا أن لا نتوقف أبدا أين توقف الآخرون، بل نواصل التقدم حتى يأتي دورنا لنتوقف، وهكذا فلو توقفنا لن نعيش أبدا طعم الحياة الحلو، ولن نكتشف أسرارها وخفاياها.
..............النهاية..............
ليست هناك تعليقات