رواية نهاية علي وقع الدموع بقلم : عبد الرحيم دليل
رواية نهاية علي وقع الدموع
بقلم : عبد الرحيم دليل
------------------------------------------------------------------------
***الفصل الأول***
تبدأ هذه القصة، من هذا الحدث المهم، الذي قد يصادف كل إنسان، ولكن بالنسبة له كان بمثابة زلزال ضرب حياته فجأة، فزعزع كيانه وخلف جروحا عميقة، مخفية داخلصدره، لا يراها ولا يشعر بألمها إلى هو...
في الوقت الذي احتاج فيه العون والمساعدة، كان العالم بأسره قد ابتعد عنه، وتركه يتخبط وحده وسط الظلام الحالك...
يبحث دوما عن رفيق، ذاك الذي يخفف عنه وحشته ويسانده في محنة، ولكن دون أية نتيجة، فقد وجد نفسه يغرق في بحر مظلم لا متناهي، يشد عليه الخناق شيئا فشيئا، وهو مستسلم تماما له، لا يبدي أية مقاومة، أصبح ضائعا مشتت الأفكار، لا يعرف ما الذي يتوجب عليه فعله للخلاص من هذا الكابوس.
هذا شاب الذي يبحث عن حياته في هذا العالم الفسيح، كان يعيش في مدينة جميلة تدعى (غروب الشمس)، وهذا الأخير يدعى 'حازم'، كان طالبا بالثانوية وفي المرحلة النهائية، أي أنه على أبواب الالتحاق بالجامعة، ولكن عليه أولا أن يجتاز امتحانالتخرج، ذاك الامتحان الذي سلب من المقبلين عليه حياتهم، وجعلهم يرون كوابيس اليقظة والنوم، هذا إن استطاعوا النوم، فمعظمهم يسهرون لساعات طويلة لأجل المذاكرة والتحصيل الجيد، وآخرون يصابون بالقلق والهوس، فيسبب لهم الأرق ويسلبهم ساعات نومهم دون أن يشعروا بذلك.
رغم أهمية هذا الامتحان المصيري ومدى تأثيره الكبير على 'حازم' بالدرجة الأولى ومن ثم أهله وزملاءه الذين سيطر عليهم القلق من تصرفات 'حازم' الأخيرة، لم يكن هذا الأخير يعيره أي اهتمام، ولا يفكر فيه مطلقا.
كان 'حازم' يشعر دوما بشيء غريب في نفسه، يشعر بفراغ كبير وكأن هنالك قطعة ناقصة في حياته، يمنعه ذلك عن التفكير و التركيز في الامتحان، أو حتى في العيش كالآخرين، وأخذ به التفكير بعيدا، وصارت نفسه تحدثه وتقول له أنه نشا في جيل غير الجيل الذي من المفترض أن ينتمي إليه، ولا هذا العالم الغريب الذي لم يتقبله أبدا.
كان دوما يحاول معرفة سر هذا الشعور الغريب، الذي ظن في البداية أنه مرحلة عابرة فقط بسبب الامتحان، ولكن عندما طالت مدته وأصبح يشغل كل تفكيره، أدرك أنه أمام لغز محير، وعجز تماما في إيجاد الحلول المناسبة له...
حاول البحث عمن يقف إلى جانبه ويساعده في التخلص من هذا الضياع الذي يعيشه، ويساعده كذلك في الإجابة عن الأسئلة الكثيرة التي تحيره، ولكن من دون نتيجة...
أصبح يوما بعد يوم يكدس تلك الأسئلة التي لم تتوقف عن التدفق إلى دماغه، ولم يجد لها إجابات، وأصبح يسبح بينها وكأنه وسط بحر لا متناهي، ولم يبقى له متسع لتخزين مواد الامتحان.
وصار أيضا منحازا كثيرا عن الآخرين، يحب الانفراد بنفسه والجلوس في مكان منعزل عن الناس بعدما تزعزعت ثقته بمن حوله، يتأمل ويفكر في تلك الألغاز لعله يهتدي إلى حلول مناسبة ويزيل الحيرة عن قلبه.
لقد كان 'حازم' ذاك الشاب الذي عرف على طول مشواره الدراسي بأنه مجتهد والأول دوما في صفه بتفوق، وحبه الشديد وشغفه بالعلم والبحث عن المعرفة، وينال إعجاب كل الناس من حوله، ولطالما نال تلك العلامات المبهرة في الامتحانات وجعله ذلك محط فخر واعتزاز من قبل أساتذته وزملاءه وبالطبع عائلته، ومنح على إثرها الكثير والكثير من الهدايا القيمة و العبارات الزكية التي تثني على مجهوده العظيم.
لكن 'حازم' لم يحد عن هذا الطريق، إلا بعدما التحق بالثانوية، ووصل إلى القسم النهائي بمعدلات غير مشجعة، أخلت بالتوازن الذي كان يعيشه.
لقد تغير كل هذا وأصبح 'حازم' ولدا آخر، يوما بعد يوم يفقد من حوله من الأصدقاء الذين كانوا في الواقع رفقاء سوء، ولكن بعد فوات الأوان اكتشف ذلك، فقد تعرض للسعة القاتلة، ونشروا سمهم في كل جسده وتركوه جثة هامدة، عندما انتهت صلاحياته.
والأمر أيضا ينطبق على معلميه، الذين ظنوا أنهم هم الأذكى على الإطلاق، احتقروه وجعلوا منه بالنسبة لزملائه أحمقا وطائشا.
كل هذا جعله يفقد ثقته بنفسه، وصار يفكر بالانسحاب من الدراسة، أو السماح بالرسوب في هذه السنة وإعادتها العام المقبل في مكان آخر غير هذا، ربما كان ذلك أفضل له ولكن...
بدأ الضغط يزداد على 'حازم' مع اقتراب موعد الامتحان، الأيام تمضي بسرعة، الخوف والاضطراب تزداد درجتهما شيئا فشيئا، وهو غير مستعد وجاهز لخوض تلك المعركة.
كان لشدة تفكيره في الخلاص من هذا الموقف الذي يعصره، يفقد انتباهه في القسم ويشرد ذهنه كثيرا، مما يعرضه لضياع الكثير من المعلومات المهمة التي من المفترض أن يركز عليها، أو الطرد من الحصة لأنه بالنسبة للأستاذ لا يهتم بذلك الدرس، ولا فائدة من بقائه داخل القاعة.
تراكمت على 'حازم' دروس كثيرة لم يفهمها، وصار الوقت ضيقا وحرجا لإعادة استذكارها كلها، وإهماله لواجباته المدرسية زاد الطين بله، وأصبح تماما كما أراد ضعاف النفوس منه أن يكون من دون أي فائدة، أحمق، راسب ومهمل.
كان 'حازم' كلما ذهب إلى المدرسة يتمنى أن يمضي الوقت بسرعة، و الأمر كذلك بالنسبة للبيت فقد كان دوما يسمع جملة "لا يحق لك فعل شيء آخر غير الدراسة، اذهب وأدرس فلديك امتحان مصيري".
كاد رأسه ينفجر، وكلما أمر بالدراسة جلس عند مكتبه واخذ يذاكر لساعات متأخرة من الليل، محاولا على الأقل أن يفهم جملة واحدة من أصل الآلاف، وعندما ينتابه التعب يستل مذكرة جميلة، كانت هدية من عند أحد الباعة الذي كان معجبا بذكاء 'حازم' فيما مضى، وكان دوما يسانده، ولكنه حاليا لم يعد يشغل ذلك المجال، ورحل إلى منطقة بعيدة ومجهولة، وكان 'حازم' يدون فيه قصته التي يمضيها يوميا، وكيف يريدها أن تكون في الواقع.
لم تكن عائلة 'حازم' في غفلة عما يفعله، بل تركوه يعتمد على نفسه، خشية أن يؤثر الضغط عليه، فيرتكب حماقة ما، ولكن عندما لاحظوا ما آلت إليه حالة ابنهم النفسية، قرروا أن يعرضوه على طبيب نفساني، ربما ساعده ذلك على العودة إلى حالته الطبيعية.
لم تعجب هذه الفكرة 'حازم' مطلقا، ومع ذلك لم يبد رأيه وحاول الانصياع لأوامرهم، ربما تكون خيرا له.
في يوم العطلة الأسبوعي، استعد 'حازم' جيدا، ثم قصد رفقة والده طبيبا نفساني، عرف بشهرته الواسعة ومهارته الممتازة على تحليل الشخصية، والتمكن من استنباط المشكل و بعدها إيجاد الحلول المناسبة والمقنعة لذلك المشكل.
دخل 'حازم' إلى مكتب الطبيب، ورأى أنه يضيع وقته في ذلك، لأنه لم يرتح لذاك المكان أبدا، وأما والده فغادر نحو عمله، وطلب منه الانتظار عنده حتى يأتي و يصطحبه للبيت بالسيارة.
كان 'حازم' يرى معاملة والده، وكأنه بالنسبة له لا يزال في المرحلة الابتدائية، ومع ذلك كان يحترمه، ولا يدخل معه في أي نقاش خارج مجال العلم، لأنه المجال الوحيد الذي يستطيع 'حازم' بواسطته أن يجادل والده، ويفرض رأيه، ومع ذلك فقد طالت المدة الأخيرة كثيرا، ولم يحدث خلالها والده، ورأى أن يخفي عن الجميع ما يشعر به.
داخل مكتب الطبيب، جلس 'حازم' على الأريكة، ثم أخذ يتأمل ما حوله من كتب ومعدات مختلفة، أما الطبيب ذاك فكان منهمك في إعادة ترتيبها.
وعندما انتهى تقريبا، قرر أن يترك ما تبقى إلى ما بعد، ثم اقترب من 'حازم'، ونظر إليه مباشرة، وبادله 'حازم' النظر، وقبل أن تتحرك شفتا الطبيب ليتكلم، نطق 'حازم' وبدأ بطرح الأسئلة فقال له: ''هل تظن حقا أنه بإمكانك مساعدة كل الناس؟''
رد عليه الطبيب: ''علي معرفة المشكلة أولا وبعدها أقرر إذا ما كنت أستطيع المساعدة أم لا''.
قال 'حازم': ''إذا مشكلتي هي، برأيك هل من سبب ضروري يحتم علينا الدراسة إجباريا، ولا يتاح لنا المجال لاختيار ما نريد دراسته؟''
استغرب الطبيب كثيرا من هذا السؤال، فقد كان يظن أنه قلق من شيء آخر غير الدراسة، وذلك عندما قام بتحليل المعلومات التي قدمها له والد 'حازم'، ومع ذلك بدا له مشكلا سهلا، فقد صادف كثيرا من التلاميذ لديهم مشكل كهذا، وخصوصا خلال فترت حاسمة كاجتياز امتحان ما.
لذلك أجابه ببساطة قائلا: ''عزيزي ما تسميه دراسة إجبارية هو ما نحتاج إليه، فلو ترك لنا الخيار ما نجحنا وتعلمنا و..''
أوقفه 'حازم' عن الكلام، وذلك برفع يده وبسطها أمامه، عندما شعر بأنه لم يفهم قصده، فصمت الطبيب، وقرر أن يصغي لـ'حازم'، قبل أن يكمل كلامه.
قال له 'حازم':'' أنت لم تفهم قصدي، كنت أسألك ما إن كان عندك هدف واضح، وتعرف كل ما تحتاج إليه لتحقيقه، فتجد نفسك تدرس أشيئا لا تخدم هذا الهدف أبدا، بل تعرقل لك الطريق، وتشوش عليك أفكارك''.
حاول الطبيب أن يخفف على 'حازم' الذي بدأ ينفعل وهو يتكلم، فابتسم في وجهه بعدما قدم له كوبا من العصير المنعش، أخذ 'حازم' يحدق بذلك الكوب تارة وبالطبيب تارة أخرى، ولم يفهم ما قصده من هذا.
أجابه عندها الطبيب بطريقة غير مبالية، وكأنه لا قيمة لتلك المشكلة، فقال له:'' يبدوا لي أنك أنت الذي تعقد الأمر على نفسه، حسنا اسمعني الآن، كما قلت تماما لكل شخص هدف معين في الحياة ولكنه يجد الكثير من المفاتيح عليه أن يجربها، ولنأخذ على سبيل المثال ذاك الباب".
وأخذ يشير إلى الخزانة التي كانت بداخل قفلها سلسلة من المفاتيح المختلفة.
ثم تابع قائلا:" ولذلك لا تعتقد أن عقول الناس متشابهة، فكل شخص سيختار الطريقة المناسبة لكي ينجح بسرعة، مثلا منهم من يجمع كل المفاتيح ثم يجربها بالواحد، ومنهم من يجري دراسات على القفل حتى يجد المفتاح مباشرة ومنهم من يعتمد على الحظ فيختار واحدا دون أي سوابق قد يوفق وربما لا، وهنا أظن انك لاحظت الفرق أليس كذلك؟"
قال 'حازم' بعدما فهم الغاية التي يريده الطبيب أن يصل إليها:" إذا عدة مفاتيح واحد فقط هو المناسب، فكرة جيدة لم يسبق أن خطرت على بالي". وشعر بأنه نجح في الإيقاع بالطبيب في مصيدته.
قال الطبيب:" تذكر أيضا أنك لست وحدك بالقسم، معك زملاؤك ولكل منهم هدفه الخاص، فما تكرهه أنت قد يحبه غيرك وما تحبه أنت قد يكرهه غيرك، أظن أنك لاحظت هذه النقطة أيضا، وعليه احرص على دراسة كل شيء ولكن ركز على ما تريده أنت ويخدم هدفك، دعني أعطيك مثالا آخر..."
أمسك الطبيب قطعة كعك كانت موجودة على الطاولة، ووضعها في يد 'حازم' وطلب منه أن يتأملها.
ثم قال له:" أنظر إلى هذه القطعة، لقد صنعت من عدة مكونات، والكثير منها لا نحتمل تناوله بمفرده مثل العجينة و البهارات أو البيض نيئا وهو يعتبر أهم عنصر هنا، فلو اعتمدنا على ما نريد تناوله فقط، وتجاهلنا كل المكونات التي لا نحتملها وحدها، لن نحصل على هذا الكعك اللذيذ أبدا، ولكن عندما مزجنا العناصر معا وركزنا فقط على الطعم النهائي، نتج هذا الكعك الشهي، هل فهمت؟"
قال 'حازم' وعلامات الدهشة بادية على وجهه:" حقا أنت مذهل كما قيل عنك، تحلل الشخصية بشكل جيد، ولديك طريقة جيدة وبسيطة على التمثيل بما حولك من أشياء، تماما علي مزج كل شيء والتركيز أكثر على ما يخدم هدفي، أحصل في النهاية على النتيجة، هذا رائع الآن اشعر بالراحة ورغبة كبيرة في الدراسة بجد اكبر، شكرا جزيلا ولن أنسى لك هذا المعروف أبدا". أنهى 'حازم' كلماته هذه وقد كان مستعدا للمغادرة.
قال له الطبيب:" هذا واجبي، أنا هنا في الخدمة، اذهب الآن وامحوا تلك الأفكار الجانبية وغير الضرورية من رأسك وركز على الامتحان وستنجح بإذن الله".
رد عليه 'حازم':" شكرا جزيلا لك مرة أخرى علي المغادرة الآن، فوالدي ينتظرني".
قال له الطبيب:" وداعا، أرجوا أن أسمع عنك أخبارا جيدة".
رد 'حازم':" أرجوا ذلك، وداعا".
خرج 'حازم' من المكتب فوجد والده بانتظاره، عندما رآه مبتسما أدرك أن المشكلة قد حلت أخيرا.
عاد 'حازم' إلى البيت واتجه مباشرة نحو الغرفة الخاصة به واستلقى على السرير واخذ يحدث نفسه.
" قال طبيب قال، لو كان حقا أخصائيا نفسانيا بارع لكان هو الذي بدأ بطرح الأسئلة، فإن كان المريض يعرف علته، فما حاجته إلى طبيب؟ ولكن ما أخزنه بداخلي وما أريد أن أصل إليه لن اكشفه إلى للشخص الذي أثق فيه، قريبا سوف يظهر، سيساعدني على الخلاص، وسأكتشف حل هذا اللغز، طبيب مشهور هه ".
مضت الأيام بسرعة، واقترب موعد الامتحان أكثر، كان 'حازم' يبذل قصار جهده لكي يدرس ويتدارك ما فاته، وقد نجح في ذلك بنسبة معتبرة.
ذات يوم و'حازم' يدرس في البيت شعر بالضيق و التعب، فقرر أن يتجول في المدينة قليلا حتى يريح نفسه، ثم يعود للدراسة مرة أخرى.
كان الجو ربيعيا و دافئا مناسب كثيرا للاستجمام، وهو يسير قادته رجلاه حتى الحقل الكبير جلس على هضبة مرتفعة وسط السنابل الصفراء و أخذ يرقب 'غروب الشمس الأصيل' الساحر، نسي في ذاك الوقت كل هموم الدنيا، واخذ يتأمل ذلك الإبداع والجمال المبهر الذي سلب عقله، وجعله يسبح في عالم جميل وسط الطبيعة.
وعندما اختفت الشمس خلف الأفق بدا الظلام يحل فقرر العودة إلى البيت وعندما وصل قرر أن يأخذ قسطا من الراحة ثم يواصل دراسته لكنه غاص في نوم عميق...
كان 'حازم' يرى في أحلامه بشكل متكرر، مناظر غير واضحة ومبهمة، جنود كثر يركضون في كل مكان، وأهالي يقتلون، ثم يفتح باب غرفة وتمتد يد معدنية كبيرة وتحاول الإمساك به، وبعدها تختفي كل تلك الصور ويعم الظلام.
لم يجد 'حازم' أي تفسير لتلك الأحداث، وظن أنها ربما من كثرة مشاهدته للأفلام، أصبح يعيش تلك القصص، ومع ذلك بقي الشك يراوده.
في اليوم التالي الذي كان أروع يوم في حياته، سمع 'حازم' خبر أعلن في الثانوية، كان تحت عنوان 'الراحة هي السبب الرئيسي في النجاح'، حيث كان يهدف إلى أخذ تلاميذ الأقسام النهائية إلى التخييم لمدة أسبوع، وسط الغابة حتى يسترجعوا أنفاسهم و يجهزوا للامتحانات.
وما إن علم به حتى شعر بأنها فرصته الوحيدة للتحدث مع الطبيعة.
ولكن في آخر اليوم حدث أمر عكر صفو الجو الجميل، و هو أن 'حازم' قد تشاجر مع أستاذ العلوم حول إحدى التجارب، لقد كان الأستاذ مخطئا و عندما صحح له الخطأ شعر بالإحراج واتهمه بأن ما يقوله لا أساس له من الصحة، و ازدادت حده بينهما عندما لم تنجح التجربة وتمسك كل واحد بما يقوله، وفي الأخير صرف كل واحد وجهه عن الآخر طيلة الحصة.
مضت الساعة بسرعة وعندما رن الجرس، غادر الجميع الصف و بقي 'حازم' وحده يجمع أدواته و عندما هم بالمغادرة وأثناء نزوله الدرج التقى بمستشار يعمل بتلك المؤسسة يدعى 'زياد'.
رآه فسلم عليه ثم واصل طريقه، لكن المستشار 'زياد' لاحظ أن 'حازم' لا يبدو على ما يرام.
التفت إليه و سأله:" 'حازم'... لا تبدو على ما يرام، ما الأمر؟"
استدار نحوه 'حازم' تردد قليلا ثم أخبره:" لقد تشاجرت مع أستاذ العلوم".
قال له 'زياد':" مرة أخرى.... تعال اخبرني... ماذا حدث؟"
بدأ 'حازم' بسرد الحادثة:" لقد اخطأ الأستاذ في تقدير المعيار المناسب في التجربة و عندما طلبت منه تغييره و أدرك أنه مخطأ، بعدما كان يتفاخر بأنه أجرى هذه التجربة أكثر من مرة بهذه المعايير، وكانت دوما تنجح على غرار زملائه الآخرين. وعندها شعر بالإحراج، وأخذ يقول لي أنا الأستاذ هنا و اعرف أكثر منك، لذلك اصمت و راقب فقط، و قد أمضى كل الساعة في التجربة ولم تنجح لذلك غضبت منه كثيرا".
بدأ المستشار 'زياد' يضحك فأثار ذاك غضب 'حازم'.
تكلم 'زياد' قائلا:" على حسب ما أذكر عندما تشاجرتما المرة الماضية كان الأمر يتعلق بالمدة التي يستغرقها النحل في تحويل الرحيق إلى العسل الست محقا؟"
أجابه 'حازم':" اجل".
قال زياد:" هذا الأمر مضحك جدا".
رد عليه 'حازم' وقد شعر ببعض الضيق:" اضحك واسخر كما يحلو لك، لأنك لست المعني بالأمر".
قال 'زياد' وقد شعر بأنه أغضب 'حازم':" كلا أنا لا اقصد السخرية أرجوك سامحني ، اسمعني جيدا، في وقتنا الحالي ليس هناك من يخطئ و يعترف بخطئه، فالكل يحاول إبعاد الشبهات عن نفسه".
رد عليه 'حازم':" لا عليك، ولكن ليس هذا التصرف السليم عندما ينطبق الأمر على حقائق علمية".
قال له 'زياد':" لا تشغل بالك ولا تهتم بهذا، أنسى الموضوع، آه! على فكرة أنت ذاهب إلى الرحلة غدا لقد قرأت اسمك على اللائحة، خشيت أن لا تذهب، فربما لم يرق لك هذا الأمر؟"
أجابه 'حازم' وقد انتفض من مكانه مما سمعه:" هل أنت مجنون، أكيد سأذهب فهذه الفرصة لا تعوض أبدا، رغم أن من سيرافقني لا يعجبونني، ولكن سأحاول تجنبهم، وماذا عنك أنت؟"
قال له 'زياد':" أنا!؟... كلا، لا أعتقد هذا لدي عمل كثير في تلك المدة لهذا سأغيب عنكم"
قال له 'حازم':" يا للخسارة، تمنيت لو كنت موجودا معنا، فأنك الشخص الوحيد الذي يفهمني و يساعدني"
رد عليه 'زياد':" شكرا جزيلا لك، الأمر ليس بيدي لكني أتمنى أن تقضي وقتا ممتعا"
قال له 'حازم': "ولك أنت أيضا، علي الذهاب الآن وداعا"
رد عليه 'زياد':" الوداع يا بني العزيز"
غادر 'حازم' مسرعا وهو سعيد و أخذ المستشار 'زياد' يراقبه وهو يبتعد عنه، ثم قال بصوت شبه مسموع:" اذهب يا بني فأمامك عمل كثير لتقوم به هناك، سوف تتغير حياتك وستدرك عما قريب كل شيء"
عاد 'حازم' إلى البيت وقد نال منه التعب لأنه كان يركض، وفور وصوله استلقى على السرير ونام مباشرة دون أن يعي.
******** يتبع********
ليست هناك تعليقات