(( العنوان بتوقيت غرينتش )) للكاتبة ~~~~ مرام بالا
قصة قصيرة
بقلمي مرام بالا
العنوان بتوقيت غرينتش
كان يغط في نوم عميق عند الساعة التاسعة صباحاً استيقظ فجأة مصاباً بالذعر دوي أنفجار في مكان ما انتفض من سريره ليراقب النافذة و الدخان الذي يتصاعد من مكان التفجير أقترب من المذياع إذاعة الأخبار السورية خبر عاجل دوي انفجار في أحد الأحياء السكنية في محافظة حمص و لا معلومات عن الضحايا......
اعتاد هذا المشهد اليومي المتكرر منذ خمس سنوات لم يتغير شيء بل بقي الحال يسوء أكثر إلى متى سيبقى هكذا نادته والدته مؤنبة أذهب و ابحث عن عمل نوم الظهيرة لا ينفع تذكر ان مبلغ المال الذي تركه والده قد لا يكفيه شهر أخر فقرر البحث عن عمل حتى و إن أضطر أن يعمل بلا شهادته الجامعية فهي لا تنفع في هذه الظروف
جهز نفسه و قبّل يّد والدته و نزل مسرعاً جال في شوارع المدينة التي أقتصرت على خمس أحياء مازال فيها متنفس للحياة بحثاً عن عمل و كان كمن يبحث عن وهم بلا نهاية كل الأبواب أغلقت في وجهه فلا أحد يبني بيوتاً و لم يعد أحد يفكر بتحسين معيشته او الحصول على حياة أفضل كل الاحلام هنا اقتصرت على النجاة من الموت معظم سكان هذه المدينة المقتولة الخالية من روح الحياة المدينة التي كانت تمنح الإبتسامة و الضحك لكل من سمع بها أصبح كل اهتمامهم كيف يمضي هذا اليوم بلا ضرر و بأقل التكاليف الممكنة
أصابه اليأس ماذا يفعل في هذا المكان بعد ان استشهد أصدقاؤه و هاجر ما بقي منهم حياً
جالت في نفسه أفكار عديدة كيف لهذا الوطن أن يصبح بهذا الشكل الموحش كيف بقي هو يتنفس الأمل رغم كل هذا الدمار لابد أنه كان محظوظاً و لكن ليس الحظ أن تبقى رهين الخوف حبيس الوجع و تاجراً للألم عليك أن تبحث عن أمل جديد يعيد إليك ثقتك بنفسك و يجعلك حياً بجسد و روح و ليس بجسد فقط........
تذكر صديقه المهاجر فقرر ان يحمل امنياته و احلامه و يغادر هذا الوطن البائس فهو معرض للموت في أية لحظة عاد إلى والدته مسرعاً و قال لها أنه سيهاجر إلى أوروبا كما فعل أصدقاؤه و هي رفضت فأقنعها بانه سيبيع البيت ثم يهاجر و عند وصوله إلى حلمه الأوربي سيقوم ب ( لم شمل العائلة ) كي تسافر إليه.......
إذاً السفر و أوروبا و غرينتش أمامه عدل ساعته عن التوقيت السوري إنها الأن بتوقيت غرينتش قبل أن يغادر الوطن غير وقته غير أحلامه غير هويته و انتماؤه أيعقل أن يكون بائعاً لسوريته بهذه السرعة أنه لم يغادر حقاً لكن في خاطره سوريا الأم التي بقيت مهمشة ضعيفة مقتولة بيد إبنائها لا فرصة فيها للحياة إلا لمن كان من ذوي الحظ أن يبقى حياً بلا وجع........
إذاً عقد أماله مع تاجر البشر(المهرب) الذي سيساعده للسفر
الأراضي اللبنانية طرابلس البحر إلى تركيا....اظنها رحلة قاسية مليئة بالمعاناة ستخضع لمواقف مؤلمة اكثر من تلك التي عانيتها في وطنك
كيف لك ان تكون هكذا تبيع إنسانيتك و قوميتك بصفة لاجئ أفكار تراود عقله متسرع تائه في البحر المقتول دون إنتماء ........سوري بلا وطن........
الأراضي التركية و التوقيت الغربي و حلم اللجوء و ذاكرة عن وطن تم تهيئتها قبل الخروج منه لا للحنين مجددا لا لوطن لا شيء فيه سوى أبن عاق يحارب أخاه
أثقل قلبك بالحنين و ارفع جبينك عالياً أملأ قلبك بالبكاء الصامت فلا يحق لك النواح لانك سوري اقوى من الكثير
ابحر إلى إيجة و هناك انت في رعاية الله و تحت مشيئة القدر تخضع لامتحان رباني كتب عليك انت فقط لانك سوري
أصعد السفينة ودع الخوف و أنظر النظرة الأخيرة إلى ساعتك السورية...بتوقيت غرينتش غادر إلى أوروبا
انتهى حوار عقله.....
انا الان فوق السفينة و اقترب من أوروبا أنا برعاية الرحمن كانت هذه أخر الكلمات التي قالها قبل أن تبتلعه مياه إيجة كما ابتلعت أخوته قبله لم يصل إلى غرينتش
و بقيت الأم حاقدة على وليدها الذي نسيها و مازالت تنتظره و تنتظر رسائله و تتابع أخبارنا العربية على مدار الساعة بتوقيت غرينتش..........


ليست هناك تعليقات