الندم بقلم الأديب تحسين المعموري الموسوي
الندم
بقلم الأديب
تحسين المعموري الموسوي
تلك الليلة نعم اتذكرها ليلة معتمة كساها السواد الممل اصطحب معه الرعد والبرق المخيف جلب معه قطرات المطر وهي ترتطم بالارض لتولد اصوات غريبة مرعبة ارتجف منها قلبي وجسدي حينها قررت ان اصرخ باعلى صوتي ولكني لم افعل لقد طغت تلك الاصوات على صوتي فكتمته اني ارتعب ولكني توسلت بجدران غرفتي وبلحافي وبنافذة غرفتي المطلة على الشارع ان يمنعا تلك الاصوات المرعبة التي اخافتني ولكن دون جدوى وهنا تيقنت ان تلك الاصوات اجتمعت وتعاهدت بينها لترعبني ولكن هناك بصيص من الامل نعم انها كلمات ابي التي احفظها فطالما يكررها ويقول الخوف شيء نحن نصنعه ويمكن لنا ان نوقفه وهنا قررت ان اتحدى خوفي واوقفه فنزلت من سريري مسرعا راميا بذلك اللحاف البالي متجها لنافذة شباك غرفتي المطل على الشارع ففتحته ولم ابالي بل ساتحدى تلك الاصوات وذلك الليل المعتم والبرد القارص والرعد والبرق وزخات المطر وهنا كانت المفاجئة لقد اصابني الرعب مرة اخرة حين رأيت ذلك الصيي وهو يقف في الشارع لا يحرك ساكنا ولا يبالي بالمطر الشديد والبرد القارص وكانه ينتظر شيء فاندهشت مما رأيته بل اصابني الخوف وانا أسال نفسي من يكون هذا الصبي وما سبب وقوفه في هذا الشارع وحيدا في هذا الليل المعتم بالظلام لا يأبه بالبرد القارص والمطر الكثيف ولكني لم اجد اجابة على سؤالي هذا لقد اشتد عندي الفضول لأعرف اجابة فتناسيت كل مخاوفي وهنا قررت ان اخرج اليه وأسله عن سبب وقوفه هكذا وحين وصلت اليه كانت صدمة لي فهو لا يشعر بوجودي بالقرب منه بل لا ينظر الي وكاني غير موجود حتى أنني ظننت للوهلة الاولى اني اعيش كابوس ووجودي بالقرب منه غير حقيقي ياله من شعور غريب بل مرعب وحينها قررت ان انهي هذا الامر
المخيف وصرخت باعلى صوتي المرتجف وانا أسأله لما انت هنا ما الذي يوقفك هكذا في هذا الشارع المظلم وتحت المطر الشديد والبرد القارص من انت من انت من تكون واخيرا نظر الي ولكنها نظرات اصطحبت كلمات معها لم افهمها
ولكنه حين راى الفضول عندي والخو ف المرتسم على وجهي نطق اخيرا ولكن بصوت خافت امتزج مع صوت المطر حتى اصبح منعدم لم افهم منه شيء سوى بعض الكلمات وهو يقول سامحني وليغفر الله لي وهنا طلبت منه ان يدخل معي الى البيت ليحتمي من المطر والبرد الشديد ولكنه رفض وقال لا عليك ايها الطيب وشكرا لدعوتك الكريمة هذه فاذهب انت الى بيتك ودعني وشاني فانا لن اغادر مكاني هذا ابدا ولن اهتم بهذا المطر الكثيف والبرد القارص الشديد الذي اهلك جسدي نعم ايها الطيب فأعلم ان في رقبتي عهد لأمي يجب ان اوفيه لها فقد وعدتها بذلك قبل ان تموت وهنا وبعد ما قاله لي نزلت دموعه وفاضت عيناه بالبكاء فتحيرت انا مما سمعته من هذا الصبي الذي ابكاني انا ايضا معه دون ان اعرف ذلك العهد الذي قطعه لأمه على نفسه
وهنا نظر الي ورأى دموعي وهي تواسيه لفقدانه أمه فشكرني على ذلك وقال لي انك صالح ونبيل فشكرته ودعوت الله الكريم بالرحمة لأمه ثم قلت له هل لي ان اعرف قصة ذلك العهد الذي قطعته على نفسك لأمك وما علاقته بوقوفك هنا دون ان ترحم جسدك من عذاب هذا البرد القارص المميت وهنا نظر الي ولكنها نظرة غريبة كانه يريد ان يقول لي بها لا اعذرني لا استطيع حينها بان الحزن على وجهي وانا هكذا لم اشعر الا وهو يطبطب على كتفي ويقول اسمع ايها الطيب النبيل لقد جذبتني بقلبك الطيب وبمواساتك لي بقدان أمي ولذلك سأخبرك بقصتي وبذلك العهد الذي جعلني اقف هنا وهكذا دون ان ابالي بهذا المطر والبرد القارص في هذا الليل المظلم وانا اعلم اني سوف اهلك جسدي ونفسي الا اذا اراد
الله ان تنتهي قصتي واوفي بالعهد الذي قطعته على نفسي لأمي
وهنا بدا يروي لي قصته وذلك العهد
فقال لي اسمع ايها الطيب انا يتيم لم اراى ابي فقد توفي بعد اسبوع من ولادتي كما اخبرتني أمي هكذا بدات حياتي يتيم لا أب ولا اخوة ولا ا خوات فانا وحيد لأمي تلك المرأة الطيبة الحنونة التي تركت حياتها وراحتها لتسهر لراحتي واعلم اننا فقراء لا نملك شيء لم يترك ابي لنا شيء كونه كان فقيرا ايضا مما زاد الحزن والجهد والعناء والتعب على كاهل امي المسكينة حتى باتت لا تفوت ليلة الا وهي تبك من ذلك العناء والخوف مما يخبئه لنا الزمان وهي امرأة ضعيفة فهي لا تفكر بنفسها انما بي انا ابنها الصغير الوحيد كيف سيكون امري اذا ما حدث لها شيء وهنا بدأت معاناة أمي حينها اصبح عمري اثنا عشر عاما وانا ارى امي تحمل ذلك الخبز الكثير الثقيل على رأسها وتذهب به لبداية هذا الشارع وتجلس هناك لتبيعه وتاتي بثمنه لي بطعام وكسوة وهكذا ومرت سنوات و إشتد عودي ولكني لم ابالي بتعب امي وذلك الجهد الكبير الذي تبذله وهي تحمل ذلك الخبز الثقيل الذي احنى ظهرها لتبيعه وتطعمني نعم انا كنت هكذ لم افكر بأمي ابدا
بل كنت افكر بنفسي وكيف اقضي يومي بالهو والمرح والمزاح مع اصدقاء السوء هكذا انا نعم انا هكذا وفي يوم من الأيام خرجت انا وصديقي للهو وللعب وكان يومها الجو بارد حينها كان فصل الشتاء ووقفنا انا وصديقي على ناصية هذا الشارع نرمي الناس بالكلمات السيئة ونحن نضحك ولا نبالي بالكبير او الصغير نعم فصديقي سيء وانا اسوء منه وهنا وفجأة اشتد البرد وهبط المطر بغزارة ولكني لم اتذكر امي التي خرجت صباحا وهي في بداية هذا الشارع لتبيع الخبز
وها هو البرد والمطر يشتد وامي لم تعد للبيت وهي لا ترتدي الاملابس بالية لا تحميها من قسوة هذا البرد فشاهدنا الناس وهي تركض من امامنا ليحتموا ببيوتهم من المطر والبرد ولكني لم اكلف نفسي لأذهب واساعد امي بل وقفت بكل وقاحة انا وصاحبي نضحك على الناس المتراكضين لبيوتهم وفجأ ة واذا برجل مسن يمر من امامنا وكان لا يرتدي الا بنطلون وقميص فتعجبت انا وصاحبي كيف يتحمل هذا الرجل هذا البرد القارص ولماذا يرتدي قميص وبنطلون فقط
فظنناه مجنون فصرخنا عليه ونحن نقول له ايها المجنون ايها المجنون ولم نكتفي بهذا بل ضحكنا عليه ورميناه بالطين
فتوسخ فالتفت الينا دون ان يقول شيء لنا ولكني رأيت ذلك الحزن على وجهه ولكنه استمر بالسير وبعدها التفت الي صاحبي الشقي وقال لأنذهب لامك ونساعدها وذهبنا وحين وصلت لامي تفاجئت حين رأيت معطف كثيف الفراء غالي الثمن كان على جسد امي ترتديه ويقيها من البرد القارص فسألت نفسي من اين لا مي بهذا المعطف ذو الفراء الغالي الثمن
وهنا قلت لأمي لقد جئت لأساعدك واصطحبك الى البيت لقد اشتد البرد والمطر وهنا سالت امي وقلت لها ولكن يا امي من اين لكي بهذا المعطف الغالي الثمن فقالت أمي نعم يا بني لقد اشتد البرد وقد انتظرتك لتأتي وتساعدني ولكنك تأخرت
فكدت اموت من شدة البرد وهو يدخل عظامي الهشة فأصبحت ارتجف كما ترتجف السعفة في الهواء العاتي ولكن وفجأة لم اشعر الا واذا برجل كبير يرتدي هذا المعطف ذو الفراء الكثيف غالي الثمن يخلعه من على كتفه ويضعه على
جسدي ويقول لي لا عليك يا أمي سوف تدفئين ان شاء الله فشكرته على صنيعه هذا معي وقلت له لو كان ابني معي الان لشكرك ايضا لصنيعك هذا معي وقد وعدته يا بني ان تشكره انت ايضا اذا مر يوما من هنا وحين سمعت من أمي وما قالته عن ذلك الرجل الذي ساعدها عرفت حينها انه هو نفس الرجل الذي كان يرتدي القميص والبنطلون الذي نعتناه انا وصاحبي بالمجنون وضحكنا عليه ورميناه بالطين حتى توسخ نعم هكذا كان جزائي لذلك الرجل الطيب الذي ساعد أمي وحماها من البرد القارص وتحمل هو البرد والمطر نعم هكذا كان جزائي لذلك الرجل فتندمت على ما فعلته ثم ماتت أمي وانا لم اوفي بعدها ووعدها لذلك الرجل الطيب صاحب المعطف لأشكره انا في حياتها كما وعدته هي ومن حينها ما زلت ابكي لهذا اليوم اقف كما تراني هكذا في هذا الشارع كل يوم انتظر ذلك الرجل الطيب صاحب المعطف عسى ان يمر يوما من هنا فأراه
فاعتذر منه على ما فعلته معه في ذلك اليوم الممطر ثم اشكره واقبل يديه على صنيعه مع امي واقول له ها انا قد اوفيت بعهد ووعد أمي لك بان اشكرك على ما فعلته من خير واحسان معها .
ليست هناك تعليقات