أحدث المواضيع

ابن من ........؟؟ بقلمي / محمود مسعود ( قصة قصيرة ) تحياتي جدو عبدو



ابن من ........؟؟

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الأفوكاتو كلمة حلم بها منذ أن دخل الجامعة لدراسة القانون ، ذلك العالم الذي يتطلب 
مهارة وذكاء ومراوغة ، إنه غير أقرانه في الجامعة ، كثيرا ما كان يواصل الليل بالنهار 
للبحث والدراسة ، أقلم نفسه وهيئها تماما ليحقق حلمه الذي راوده كثيرا ، في أثناء الدراسة لا يبارح الكلية إما في محاضرات أو في المكتبة ، كان يتابع بشغف غريب أي قضية يسمع بها ويحضر جلساتها ويتابع المحامين الذين يتداولونها جيدا وبإصغاء تام ويدون كل حرف يقال !!! لقد أضحي كل ماسبق رصيد هائل لديه ليعبر بامتياز كل عام دراسي حتي أنهي دراسته بتفوق شهد له الجميع ، ورشح للعمل في النيابة العامة وعن استحقاق وأيضا للعمل كمعيد في الكلية ، فاختار وظيفة وكيل النائب العام لما لها من وجاهة وسلطة .

 شرع في الفترة التي تسبق تجنيده في تجهيز الأوراق المطلوبة لتقديمها إلي مكتب النائب العام , التحق بالجيش كجندي يخدم بسلاح المشاة ، لم يتأفف كونه كان يتمني أن يخدم في سلاح القضاء العسكري القريب جدا من مؤهلاته ، ولكن هذا لم يفت في عضده كونه عام يمر بحلوه ومره ويتسلم شهادة الخدمة العسكرية جواز مروره إلي الوظيفة التي يحلم بها ، عاني كثيرا كأقرانه في هذا السلاح الذي لا يعرف القائمون عليه شفقة أو احترام لآدمية الجندي حيث التدريبات المرهقة والخدمات المتوالية ، ووضع الجندي في حالة تأهب دائمة لأي طارئ في أي وقت وتحت أقسى الظروف ، كان مبدأه الذي يسير عليه في الخدمة العسكرية أن لا يقول لا لأي رتبة من العريف حتي اللواء وهذا كان بمثابة كلمة السر التي جعلته محبوبا من الجميع . 

مضي العام وتسلم شهادة خدمته العسكرية ، ضمها للأوراق المطلوبة كمسوغات للتعيين ، توجه إلي مقر النائب العام وقدمها ضمن الأوراق التي سبق وقدمها قبل التحاقه بالخدمة العسكرية ، أخذ موعدا للإختبار التمهيدي للقبول بالنيابة العامة ، كان ضمن عشرة علي مستوي الجمهورية الذين يحق لهم التقدم لهذه الوظيفة وكان أعلاهم ترتيبا حيث كان تقديره امتياز مع مرتبة الشرف والذين يلونه تقديرهم ما بين جيد جدا وجيد ،كان هناك شيئا ما يعتمل في نفسه ولكنه كان يستبعد هذا الشيئ عن بؤرة تفكيره فكثيرا ما كان يسأل نفسه هذا السؤال : هل ممكن لابن العطشجي ( العطشجي هو مساعد سائق القطار ) أن يصبح وكيلا للنائب العام ؟؟ وكان يجيب علي التساؤل ولما لا أليس العطشجي مواطن صالح ووظيفته لا تضيره وليس بها ما يخجله !!

 جاء موعد الاختبار ، تهيىء لذلك وارتدي حلة مؤنقة تليق بالمكان والزمان والاختبار ، كانت السعادة تغمره وهو يخطو بخطوات واثقة داخل أروقة مكتب النائب العام بما يظلله من جلال ووقار ورهبه ، إنها المرة الاولي التي يدلف بها داخل مقر النائب العام ، توجه إالي المكان المخصص لإجراء الاختبارات بمعاونة القائمون والمنظمون لها ، بهو كبير ، في مقدمته منصة سيجلس عليها المستشارون الذين سيجرون الاختبارات ، أمامها مقاعد وثيرة للممتحنون ، أشار أحدهم إليه للجلوس في أحدهم ، جلس وبدأ الممتحنون في التوافد ، واستقروا علي مقاعدهم المحددة سلفا ، كانوا خمسة من الذكور وهو سادسهم وأربعة من الإناث ، بدأت الاختبارات ، كانت اختبارات هيئة كما يطلق عليها ،وذلك بعد أن استقر أربعة من المستشارون في كافة تخصصات القانون علي مقاعدهم ، صمت تام خيم علي البهو ، شرعوا في بدء الاختبارات كل متقدم علي حدا ، 

وبعد مرور ساعتين جاء الدور علي صاحبنا ، سئل في أشياء كثيرة ، قانونية وسياسية ومعلومات عامة لا تمت إلي القانون بصلة ، لا حظ نظرات الإعجاب تطل من وجوه لجنة الاختبار ، أيقن أنه من المختارين بلا جدال ، انتهت اللجنة من سؤاله علي أن يعود باكرا في نفس الميعاد لأداء الاختبارات العملية وهي أسئلة في قضايا يضعها المستشارون ويريدون لها حلا إذا ما وقع الاختيار علي أحدهم ليكون وكيلا للنائب العام وما هو تصرفه حيالها ، عاد إلي منزله ، استقبله والده بابتسامة عريضة وحضن دافىء لأنه عائدا توا من السفر ،قص علي والده ما تم في المقابلة واستبشر الوالد خيرا وطمأن ابنه بأنه كل شيئ بقدر الله وإن شاء الله سيكون من المقبولين ، انقضي الليل سريعا ولم ينل قسطا من النوم فقد كان ساهرا علي المراجع والكتب وما دونه طيلة الأربع سنوات من خلال تردده علي المحاكم المختلفة في شتي القضايا التي حضرها وشهد وقائعها ،الموعد كان في التاسعة صباحا ، 

والساعة الآن السادسة صباحا ، طلب من والدته ايقاظه بعد ساعة ونصف من الآن يأخذ فيهم قسطا من النوم ، كان بين النوم والاستيقاظ ، وقبل أن تأتي والدته لإيقاظه ، وجدته جالسا علي سريره ممسكا بمذكرات يقرأ فيها ، أحضرت له الفطور تناوله في عجالة ثم هم بشرب كوب من الشاي الدافىء ، ونهض لارتداء ملابسه وبعد ذلك قبل أيد أمه وطلب منها الدعاء وانصرف ، استقل سيارة أجرة وكان ذلك من الأمور النادرة في مسيرته لا لشيء وانما للحفاظ علي هندامه من التعرض لأي تلفيات ..!! ثانيا للوصول لمقر النائب العام قبل الميعاد بوقت كاف ، ثالثا لمقابلة أي من الزملاء والوقوف منهم علي آخر التطورات إن كان بمقدور أحدهم ذلك ..!! 

وصل بالفعل وانتظر علي مقربة من دار النائب العام دقائق وشاهد عربات فارهة تتوافد الواحدة تلو الاخري ويهبط منها بعض من كانوا معه بالأمس ، بعيدا عن السياج الأمني الذي يحرسه حراس شداد من القوات الخاصة الموكل لها حراسته ، دخل ضمن الوافدين بعد إثبات شخصيته وترك تحقيق الشخصية علي بوابة المقر كما هو متبع ، من ضمن المتقدمون ابنة مستشار في أحدي الهيئات القضائية ، ابن لواء في الشرطة ، وهكذا ..!! جلسوا في الأماكن المخصصة لهم ...دقائق وبدأ الأختبار ووزع عليهم أوراق للإجابة لاستيفاء البيانات المطلوبة ،ثم شرعوا في الإجابات بعد استلام أوراق الأسئلة وكان زمن الإجابة محدد بثلاث ساعات ، مضي الوقت سريعا وسلم كل واحد منهم ورقة إجابته ،والنتيجة بعد شهر من الآن ، مر الشهر بسرعة البرق ، توجه بسعادة وثقة غير محدودة وهو موقن بالنجاح الباهر إلي مقر النائب العام ، كان هناك كشفا بأسماء من قبلوا في النيابة العامة معلقا في إحدي لوحات الإعلانات ، سارع الخطي ووقف قبالة لوحة الإعلانات وعيناه تدقق في الأسماء ،

 أعاد البحث مرات ومرات ولم يعثر له علي اسم ، جف حلقه ، ازدادت ضربات قلبه ، كاد أن يغمي عليه ، ما هذا ؟؟ ولماذا لم يتم وضع اسمه ضمن المقبولين ، اسئلة كثيرة بدأت تتوافد علي ذهنه ،أيعقل هذا ؟؟ بالتأكيد هناك خطأ ما ، بكل تأكيد ولابد من الاستفسار ، طلب مقابلة المستشار المسئول عن التقدم للوظيفة والاختبارات ، وبعد التوسط وافق المستشار علي مقابلته ، كان يتحدث بهدوء وثقة وسأل المستشار عن السبب في عدم إدراج اسمه ضمن المقبولين بالوظيفة ، فأبلغه بكل هدوء وصراحة بأن نتيجة الاستعلام الأمني عنه وعن أسرته اتضح بأن له قريب من الدرجة الثالثة عليه أحكام قضائية وعليه لا يمكن قبوله في سلك النيابة ونصحه بأن يلتحق بسلك التدريس بالجامعه أفضل له ، أو المحاماة وسيبرع فيها وسيكون له شأن رفيع ،نزلت عليه هذه العبارات كما الصاعقة وأحس بزلزال قوي زعزع ثقته التي كان دائما ما يتباهي بها ، حاول عبثا اقناع المستشار بأنه لا تزر وازرة وزر أخري ولكن عبثا فكل محاولاته باءت جميعها بالفشل الذريع ، 

كتب شكوي وقدمها للنائب العام وأخري لوزير العدل وثالثة لأكبر رأس في الدولة ، لم يعيرها أي منهم أية أهمية أو مجرد اهتمام ، 

شرع في اللحاق بوظيفة المعيد وبعد أشهر من المعاناة نفس ماحدث معه في وظيفة وكيل النائب العام حدث في وظيفة المعيد بالجامعة ،حيث وقع اختيارهم علي ابناء الدكاترة واللواءات والمستشارين ، أدرك حينها أن النبوغ والامتياز لم تكن أبدا شفيعة لمن هم أبناء الطبقة الكادحة للفوز بالمناصب الرفيعة فهذه لها أناسها الذين يتوارثونها أبا عن جد ولا يهم أبدا فيها بالنسبة لهم التفوق العلمي وإنما الشهادة والشهادة فقط لتكون جواز المرور لهم لهذه الوظائف المحجوزة لهم ولذويهم ولا ينافسهم فيها أحد أيا ما يكون مستواه العلمي الفذ المهم فيها هو ابن من من الرتب العليا والقيادات أما الباقي كالتقدير العلمي للشهادة فهذه تراهات يمكنهم التغلب عليها .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بقلمي / محمود مسعود ( قصة قصيرة ) 13/7/2016م

ليست هناك تعليقات