أحدث المواضيع

بقلم عمرو زين فى انتظار الغد!




فى انتظار الغد!
دقات عقارب الساعة تنبعث فى جوف الليل الكئيب،.. دقة.. دقة، زلزلة.. زلزلة، فتضيف إلى كآبة الليل ألوانًا قاتمة من الكآبة وتسكب عليها ظلالاً حالكة من الظلمة... 
عينان معلقتان بالعقرب فى كل حركة من حركاته.. أذنان مشدودتان إليه فى كل دقة من دقاته... 
ثقيلة هى حركة العقرب.. ثقيل وقعها فى نفسى... 
هل يتحرك العقرب حقًا؟ هل يسير الوقت؟ هل سيأتى الغد؟ انتظر الغد منذ...؟ لم أعد أعرف منذ متى... وأنا انتظر الغد
قطع الحجرة عدة مرات ريحة وجيئة.. وقف عند النافذة.. مّد بصره إلى السماء.. السماء مظلمة، لا نجوم بها ولا قمر.. لم يعد هناك نور.. كفت السماء عن بعث النور إلى البشر.. لو أن نجمًا يبزغ فيهدينى صراط الغد ! الليل يحجب كل نجم.. ما زال الليل جاثمًا على الكون.. متى ينجلى الليل؟ متى يأتى الغد؟ 
مضى دهر وأنا هنا أرقب اللحظة تموت بعد اللحظة.. كل لحظة تموت لن تُبعث أبدًا.. كل لحظة تموت يسعدنى موتها.. كل لحظة تموت يقربنى موتها من الغد.. كم تمنيت أن أغمد خنجرًا فى كل اللحظات التى تفصلنى عن الغد ! 
التفت إلى ساعة الحائط.. خال العقارب تبطئ فى سيرها.. صاح فيها جميعًا: 
- ألم أمركم أن تسرعوا الخطى؟ 
قبض على السوط.. ألهب ظهور العقارب، ظهرًا.. ظهرًا، وعقربًا عقرباً.. لم تتحرك، تعلق بها.. يدفعها بيديه، بكل ما أوتى من قوة.. لم تتزحزح، جثى على ركبتيه يتوسل إلى العقارب أن تلبى رجائه.. لم تستجب. 
ألقى على الوقت نظرة متجرعة بالهزيمة... انسحب سريعًا من موقع الهزيمة... أشعل سيجارة ونفث دخانها.. أخذ يرقب الدخان يتطاير صوب النافذة ثم يتخطاها إلى الخارج.. جحظت عيناه.. سار كالمسحور مقتفيًا أثر الدخان حتى النافذة.. مدّ ذراعيه.. تركهما يسبحان إلى الخارج مع الدخان.. واصل الدخان طيرانه..، انطلاقة هروبه، وتوقف ذراعاه.. حرك ذراعيه – الجناحين – فى بطئ.. لا أثر.. أصبحت الحركة أقوى وأقوى... أعنف وأعنف، عيناه مصلوبة على ذراعيه، يتلألئ فيهما بريق عجيب.. جسده يهتز بشدة.. المعجزة توشك أن تحدث.. لا!.. لا معجزة!.. همدت حركة الذراعين، خر يائسًا.. سقطت دمعات الحزن من عينيه.. الحزن على النفس.. دخان السجائر أسعد منى حظًا...
الغد فقط سيحطم قيودى ويخلصنى من أسرى.. الغد فقط سيبعث فى نفسى السعادة بعد موت، لكن الليل طال، وطال معه انتظارى.. أعيانى طول الانتظار، أشعر بالاعياء يتغلغل فى جسدى ويضع الأغلال حول يدى، وفى قدمى ويعصب عينى.. يهبط برأسه بين راحتيه.. مسته غفوة قصيرة.. أفاق منها مرتاعًا.. تلفت حوله.. رأى الشفق يطل عليه من النافذة.. أسرع إلى النافذة، إلى الغد المولود لتوه، يتلمس (بعينيه) ملامحه ليتأكد منه، من أنه الغد المنتظر.. السعادة تزحف على وجهه رويدًا رويدا وهو يتحسس ملامح الغد، ملمحًا ملمحاً.. نعم إنه هو ! عيناه، أذناه، أنفه، فمه.. أكتملت السعادة على وجهه بدرًا بازغاً.. تراجع إلى داخل الحجرة يجتاحه فيضان السعادة الجارف.. ثم عاد ثانية إلى النافذة ليستزيد من السعادة، ليتحسس ملامح الغد مرة أخرى، ليتجرع من كأسه المقدس وليتيقن منه أكثر وأكثر.. تغيّر وجهه فجأة للمسه.. وأفلت السعادة فوق ثغره.. غيّم الحزن فى عينيه.. توقفت أصابعه عن التحسس والتلمس.. توقفت يداه عند ذاك الموضع، ثم انسحبت متقهقرة.. وتقهقر هو إلى الداخل.. داخل نفسه.. عاد ينتظر الغد من جديد، الغد الحقيق. 
عمرو زين

ليست هناك تعليقات