أحدث المواضيع

تأملات في آية أو حديث : الكاتب والأديب / عبد الرحمن عبد العزيز -- جدو عبدو



تأملات في آية أو حديث : 

الكاتب والأديب / عبد الرحمن عبد العزيز

================================

قَوْلُهُ تَعَالَى : أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ 

طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ 

بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ( 25 ) . 

سورة إبراهيم

من أروع الأمثلة التي ضرب في القرآن الكريم هذه الآية من 

سورة إبرهيم وللعلماء معها باع عظيم

فعند الإمام البغوي في تفسيره رحمه الله تعالى وعند الإمام 

القرطبي رحمه الله تعالى ونقل عنهما أغلب المفسرين لما 

صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال البغوى :

( تؤتي أكلها ) تعطي ثمرها ( كل حين بإذن ربها ) والحين 

في اللغة هو الوقت .


وقد اختلفوا في معناه ها هنا فقال مجاهد ، وعكرمة : الحين 

ها هنا : سنة كاملة ، لأن النخلة تثمر كل سنة .

وقال سعيد بن جبير ، وقتادة والحسن : ستة أشهر من وقت 

إطلاعها إلى صرامها . وروي ذلك عن ابن عباس رضي الله 

عنهما .

وقيل : أربعة أشهر من حين ظهورها إلى إدراكها .

وقال سعيد بن المسيب : شهران من حين تؤكل إلى حين 

الصرام .

وقال الربيع بن أنس : " كل حين " : أي : كل غدوة وعشية ، 

لأن ثمر النخل يؤكل أبدا ليلا ونهارا ، صيفا وشتاء ، إما تمرا أو 

رطبا أو بسرا ، كذلك عمل المؤمن يصعد أول النهار وآخره 

وبركة إيمانه لا تنقطع أبدا ، بل تصل إليه في كل وقت .

والحكمة في تمثيل الإيمان بالشجرة : هي أن الشجرة لا 

تكون شجرة إلا بثلاثة أشياء : عرق راسخ ، وأصل قائم ، 

وفرع عال ، كذلك الإيمان لا يتم إلا بثلاثة أشياء : تصديق 

بالقلب ، وقول باللسان ، وعمل بالأبدان . أهـ

ولا داعي للخلاف فالراجح أنه كل وقت وهو المعنى الاول 

لقوله تعالى كل حين وبرع علماؤنا في شرح المثل المضروب 

في الآية وهو الكلمة الطيبة كالشجرة - وكذا يشبه الإنسان

وذكر البغوي وغيره : بروايته عن ابن عمر رضي الله عنهما 

يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن من 

الشجر شجرة لا يسقط ورقها ، وإنها مثل المسلم فحدثوني 

ما هي ؟ قال عبد الله : فوقع الناس في شجر البوادي ، 

ووقع في نفسي أنها النخلة فاستحييت ، ثم قالوا : حدثنا ما 

هي يا رسول الله ؟ قال : هي النخلة . قال عبد الله : فذكرت 

ذلك لعمر ، فقال : لأن تكون قلت هي النخلة كان أحب إلي 

من كذا وكذا " .


وقيل : الحكمة في تشبيهها بالنخلة من بين سائر الأشجار : 

أن النخلة شبه الأشجار بالإنسان من حيث إنها إذا قطع 

رأسها يبست ، وسائر الأشجار تتشعب من جوانبها بعد قطع 

رءوسها ، ولأنها تشبه الإنسان في أنها لا تحمل إلا بالتلقيح ، 

ولأنها خلقت من فضل طينة آدم عليه السلام ، ولذلك قال 

النبي صلى الله عليه وسلم : " أكرموا عمتكم " ، قيل : ومن 

عمتنا ؟ قال : " النخلة " ( ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم 

يتذكرون ) .


وقال القرطبي : قوله تعالى : ألم تر كيف ضرب الله مثلا لما 

ذكر تعالى مثل أعمال الكفار وأنها كرماد اشتدت به الريح في 

يوم عاصف ، ذكر مثل أقوال المؤمنين وغيرها ، ثم فسر ذلك 

المثل فقال : " كلمة طيبة " الثمر ، فحذف لدلالة الكلام عليه . 


قال ابن عباس : الكلمة الطيبة لا إله إلا الله ، والشجرة 

الطيبة المؤمن . وقال مجاهد وابن جريج : الكلمة الطيبة 

الإيمان . عطية العوفي والربيع بن أنس : هي المؤمن نفسه 

. وقالمجاهد أيضا وعكرمة : الشجرة النخلة ; فيجوز أن يكون 

المعنى : أصل الكلمة في قلب المؤمن - وهو الإيمان - 

شبهه بالنخلة في المنبت ، وشبه ارتفاع عمله في السماء 

بارتفاع فروع النخلة ، وثواب الله له بالثمر .


وروي من حديث أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - 

أنه قال : إن مثل الإيمان كمثل شجرة ثابتة ، الإيمان عروقها 

والصلاة أصلها والزكاة فروعها والصيام أغصانها والتأذي في 

الله نباتها وحسن الخلق ورقها والكف عن محارم الله ثمرتها . 

ويجوز أن يكون المعنى : أصل النخلة ثابت في الأرض ; أي 

عروقها تشرب من الأرض وتسقيها السماء من فوقها ، فهي 

زاكية نامية . وخرج الترمذي من حديث أنس بن مالك قال : 

أتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقناع فيه رطب ، 

فقال : مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في 

السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها - قال - هي النخلة ، 

ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما 

لها من قرار - قال - هي الحنظل . أهـ عند القرطبي


وإلى لقاء آخر إن شاء الله تعالى

========================

مع أرق تحياتي : جدو عبدو - عبد الرحمن عبد العزيز

دراسات عليا - كلية التربية - جامعة الأزهر الشريف 

ليست هناك تعليقات