تغريدة الشـــــــــــــــعر العربي بقلم : السعيد عبد العاطي مبارك – الفايدي
تغريدة الشـــــــــــــــعر العربي
بقلم : السعيد عبد العاطي مبارك – الفايدي
--------------------------------------
صلوات في هيكل الحب -------- !!
مع أبي القاسم الشابي – شاعر المروج الخضراء
( 1909 - 1934م )
عذْبة ٌ أنتِ كالطّفولة ِ، كالأحلامِ = كاللّحنِ، كالصباحِ الجديد
يا ابنة َ النُّور، إنّني أنا وَحْدي = من رأى فيكِ رَوْعَة َ المَعْبُودِ
وحرامٌ عليكِ أن تَهْدمي ما = شَادهُ الحُسْنُ في الفؤاد العميدِ
وحرامٌ عليكِ أن تسْحَقي آمـ ـالَ نفسٍ تصْبو لعيشٍ رغيدِ
فالإلهُ العظيمُ لا يَرْجُمُ العَبْدَ = إذا كانَ في جَلالِ السّجودِ
تونس الخضراء ذات المروج و الحمام الأنيق تفتخر بابن خلدون و بشاعرها الشابي صاحب ملحمة الحب و فلسفة الطبيعة و الثورة من اجل الجمال و الدعوة للتمرد للخلاص من هيمنة الاستعمار صاحب الحكمة ----
يقول أبو قاسم الشابي في ارادة الحياة :
إذا الشّعْبُ يَوْمَاً أرَادَ الْحَيَـاةَ = فَلا بُدَّ أنْ يَسْتَجِيبَ القَـدَر
وَلا بُـدَّ لِلَّيـْلِ أنْ يَنْجَلِــي = وَلا بُدَّ للقَيْدِ أَنْ يَـنْكَسِـر
وَمَنْ لَمْ يُعَانِقْهُ شَوْقُ الْحَيَـاةِ = تَبَخَّـرَ في جَوِّهَـا وَانْدَثَـر
وَمَنْ لا يُحِبّ صُعُودَ الجِبَـا ل = ِ يَعِشْ أَبَدَ الدَّهْرِ بَيْنَ الحُفَـر.
عودة علي ذي بدء فقد قدمنا عدة مقالات عن الشابي من قبل و قد اعددنا كتابا عن شعراء رحلوا في شرخ الشباب و كان الشابي فارس معهم رائد لقصيدة الحب الصافي العذري في تعبيرات و تصويرات و ايقاعات رومانسية جديدة تجذب المتذوق للشعر الحديث في فلسفة تأملية راقية تستوعب تجربة ذاتية تتوحد داخل كيان القصيدة ذات الموضوع في شعور صادق مؤثر عند المطالعة و التذوق الفني في فهم و ادراك يبشر برسالة الشعر و عبقرية الكلمة في خلود -----------
نعم قد تفتقت شاعرية ابي القاسم الشابي منذ نعومة أظفاره فقد ظهرت موهبته و طاقته و استعداده مع ثقافته المتشعبة فقد قرأ كنوز الادب و الشعر في ميعة الصبا و سجل اغاني الحياة ورعاة الكوخ في فلسفة الجمال و تمسك بالقيم و الجمال في تمرد وثورة من اجل التغير الداخلي و الخارجي للانسان السكون بشجن الوطن ابان فترة الاستعمار فتلاحم مع الطبيعة في حب ينادي الحبيب المجهول الذي دعاه في اقبال مع الفجر و النسيم و شدو الطيور و الحان عبقرية الحسن و الجمال في دلال هكذا يغني الشابي للحياة العامرة بمنهج الحب هكذا ---------- !!
عاش ابو القاسم الشابي بين عامي ( 1909 - 1934م ) فقد ولد في قرية الشابية في لولاية توزر
تعلم في جامعة الزيتونة --------
انه عاشق الحب المغني للحياة في فلسفة الحكمة مع الارادة الناطقة بالجمال و الحق ----
و يري ان الحب سر بلائه فيصرح بذلك من خلال هذه المقطوعة التي يبوح فيها بذاك السر المعذب فيقول فيها :
أيُّها الحُبُّ أنْتَ سِرُّ بَلاَئِي وَهُمُومِي، وَرَوْعَتِي، وَعَنَائي
وَنُحُولِي، وَأَدْمُعِي، وَعَذَابي وَسُقَامي، وَلَوْعَتِي، وَشَقائي
أيها الحب أنت سرُّ وُجودي وحياتي ، وعِزَّتي، وإبائي
وشُعاعي ما بَيْنَ دَيجورِ دَهري وأَليفي، وقُرّتي، وَرَجائي
يَا سُلافَ الفُؤَادِ! يا سُمَّ نَفْسي في حَيَاتي يَا شِدَّتي! يَا رَخَائي!
ألهيبٌ يثورٌ في روْضَة ِ النَّفَسِ، فيـ ـطغى ، أم أنتَ نورُ السَّماءِ؟
أيُّها الحُبُّ قَدْ جَرَعْتُ بِكَ الحُزْ نَ كُؤُوساً، وَمَا اقْتَنَصْتُ ابْتِغَائي
فَبِحَقِّ الجَمَال، يَا أَيُّها الحُـ ـبُّ حنانَيْكَ بي! وهوِّن بَلائي
لَيْتَ شِعْري! يَا أَيُّها الحُبُّ، قُلْ لي: مِنْ ظَلاَمٍ خُلِقَتَ، أَمْ مِنْ ضِيَاءِ؟
نعيش لحظات جميلة مع تأملات في قصيدة أبي اقاسم الشابي عاشق الحياة و الطبيعة و الحب و التأمل شاعر المروج الخضراء حيث يعبر و يصور فيها مدي فلسفة الجمال وروح الحياة المتيمة بالحب الخالص الذي هو ظلالها الباقي برغم الجراحات و المأساة التي يعانيها الانسان منذ بزوغ فجرها الحاني ---
أحدثت قصيدة صلوات فى هيكل الحب للشاعر التونسي أبوالقاسم الشابى ثورة عارمة فى عالم الشعر العربى عند نشرها على صفحات مجلة أبوللو فى عدد أبريل عام 1933.
مع رائعة ابي القاسم الشابي بعنوان " صلوات في هيكل الحب " حيث يقول فيها :
عذْبة ٌ أنتِ كالطّفولة ِ، كالأحلامِ
كاللّحنِ، كالصباحِ الجديدِ
كالسَّماء الضَّحُوكِ كالليلة ِ القمراءِ
كالورد، كابتسام الوليدِ
يا لها من وَداعة ٍ وجمالٍ
وشبابٍ مُنَعَّم أمْلُودِ!
يا لها من طهارة ٍ، تبعثُ التقديـ
ـسَ في مهجة الشَّقيِّ العنيدِ!..
يالها رقَّة ً تكادُ يَرفُّ الوَرْ
دُ منها في الصخْرة ِ الجُلْمُودِ!
أيُّ شيء تُراكِ؟ هلى أنتِ "فينيسُ"
تَهادتْ بين الورى مِنْ جديدِ
لتُعيدَ الشَّبابَ والفرحَ المعسولَ
للْعالم التعيسِ العميدِ!
أم ملاكُ الفردوس جاء إلى الأر
ضِ ليُحييِ روحَ السَّلامِ العهيدِ!
أنتِ..، ما أنتِ؟ أنتِ رسمٌ جميلٌ
عبقريٌّ من فنِّ هذا الوجودِ
فيكِ ما فيه من غموضٍ وعُمقٍ
وجمالٍ مُقَدِّسٍ معبودِ
أنتِ.. ما أنتِ؟ أنتِ فَجْرٌ من السّحرِ
تجلّى لقلبيَ المعمودِ
فأراه الحياة َ في مونِق الحسن
وجلّى له خفايا الخلودِ
أنتِ روحُ الرَّبيعِ، تختالُ فـ
الدنيا فتهتزُّ رائعاتُ الورودِ
وتهبُّ الحياة سكرى من العِطْر،
ـر، ويدْوي الوجودُ بالتَّغْريدِ
كلما أبْصَرَتْكِ عينايَ تمشين
بخطوٍ موقَّعٍ كالنشيدِ
خَفَقَ القلبُ للحياة ، ورفّ الزّهـ
رُ في حقل عمريَ المجرودِ
وأنتشتْ روحي الكئيبة ُ بالحبِّ
وغنتْ كالبلبل الغرِّيدِ
أنتِ تُحِيينَ في فؤادي ما قد
ماتَ في أمسي السعيدِ الفقيدِ
وَتُشِيدينَ في خرائبِ روحي
ما تلاشى في عهديَ المجدودِ
من طموحِ إلى الجمالِ إلى الفنِّ،
إلى ذلك الفضاءِ البعيدِ
وتَبُثِّين رقّة َ الشوق، والأحلامِ
والشّدوِ، والهوى ، في نشيدي
بعد أن عانقتُ كآبة ُ أيَّامي
فؤادي، وألجمتْ تغريدي
أنت أنشودة ُ الأناشيد، غناكِ
إله الغناءِ، ربُّ القصيدِ
فيكِ شبّ الشَّبابُ، وشَّحهُ السِّحْرُ
وشدوُ الهوى ، وَعِطْرُ الورودِ
وتراءى الجمالُ، يَرْقُصَ رقصاً
قُدُسيَّا، على أغاني الوجودِ
وتهادتْ في لإُفْقِ روحِكِ أوْزانُ
الأغَاني، وَرِقّة ُ التّغريدِ
فَتَمايلتِ في الوجود، كلحنٍ
عبقريِّ الخيالِ حلوِ النشيدِ:
خطواتٌ، سكرانة ُ بالأناشيد،
وصوتٌ، كرجْع ناي بعيدِ
وَقوامٌ، يَكَادُ يَنْطُقُ بالألحان
في كلِّ وقفة ٍ وقعودِ
كلُّ شيءٍ موقَعٌ فيكِ، حتّى
لَفْتَة ُ الجيد، واهتزازُ النهودِ
أنتِ..، أنتِ الحياة ُ، في قدْسها
السامى ، وفي سحرها الشجيِّ الفريدِ
أنتِ..، أنتِ الحياة ُ، في رقَّة ِ
الفجر في رونق الرَّبيعِ الوليدِ
أنتِ..، أنتِ الحياة ً كلَّ أوانٍ
في رُواءِ من الشباب جديدِ
أنتِ..، أنتِ الحياة ُ فيكِ وفي عينَيْـ
وفي عيْنَيْكِ آياتُ سحرها الممدُودِ
أنتِ دنيا من الأناشيد والأحْلام
والسِّحْرِ والخيال المديدِ
أنتِ فوقَ الخيال، والشِّعرِ، والفنِّ
وفوْقَ النُّهَى وفوقَ الحُدودِ
أنتِ قُدْسي، ومَعبدي، وصباحي،
وربيعي، ونَشْوَتِي، وَخُلودي
يا ابنة َ النُّور، إنّني أنا وَحْدي
من رأى فيكِ رَوْعَة َ المَعْبُودِ
فدَعيني أعيشُ في ظِلّك العذْبِ
وفي قرْب حُسْنك المشهودِ
عيشة ً للجمال والفنّ والإلهام
والطُّهرْ، والسّنَى ، والسّجودِ
عيشة َ النَّاسِكِ البُتولِ يُنَاجي الرّ
بَّ في نشوَة ِ الذُّهول الشديدِ
وامنَحيني السّلامَ والفرحَ الرّو
حيَّ يا ضَوْءَ فجْريَ المنشودِ
وارحَميني، فقدْ تهدَّمتُ في كو
نٍ من اليأس والظلام مَشيدِ
أَنقذِيني من الأَسى ، فلقد أَمْسيـ
أَمْسَيتُ لا أستطيعُ حملَ وجودي
في شِعَابِ الزَّمان والموت أمشي
تحت عبءِ الحياة جَمَّ القيودِ
وأماشي الورَى ونفسيَ كالقبرِ،
ـرِ، وقلبي كالعالم المهدودِ
ظُلْمَة ٌ، ما لها ختامٌ، وهولٌ
شائعٌ في شكونا الممدودِ
وإذا ما اسْتخفّني عَبَثُ النَّاس
تبسَّمتُ في أسَى ً وجُمُودِ
بسمة ً مُرَّة ً، كأنِّيَ أستلُّ
من الشَّوْك ذابلاتِ الورودِ
وانْفخي في مَشَاعِري مَرَحَ الدُّنيا
وشُدِّي مِنْ عزميَ المجهودِ
وابعثي في دمي الحَرارَة ، عَلَّي
أتغنَّى مع المنى مِنْ جَديدِ
وأبثُّ الوُجودَ أنْغامَ قلبٍ
بُلْبُليٍّ، مُكَبَّلٍ بالحديدِ
فالصباحُ الجميلُ يُنعشُ بالدِّفءْ
حياة َ المحطَّمِ المكدودِ
أَنقذيني، فقد سئمتُ ظلامي!
أَنقذيني، فقد مللتُ ركودي
آهِ يا زَهرتي الجميلة ُ لو تَدْرِين
ما جَدَّ في فؤادي الوَحِيدِ
في فؤادي الغريبِ تُخْلَقُ أكوانٌ
من السحر ذات حسن فريد
وشموسٌ وضَّاءة ٌ ونجومٌ
تَنْثُرُ النُّورَ في فَضَاءٍ مديدِ
وربيعٌ كأنّه حُلُمُ الشّاعرِ
في سَكرة الشّباب السعيدِ
ورياضٌ لا تعرف الحَلَك الدَّاجي
ولا ثورة َ الخَريفِ العتيدِ
وَطُيورٌ سِحْرِيَّة ٌ تتناغَى
بأناشيدَ حلوة ِ التغريدِ
وقصورٌ كأَنَّها الشَّفَقُ المخضُوبُ
أو طلعة ُ الصباحِ الوليدِ
وغيومٌ رقيقة تَتَادَى
كأَباديدَ من نُثَارِ الورودِ
وحياة ٌ شعريَّة ٌ هي عندي
صورة ٌ من حياة ِ أهلِ الخلودِ
كلُّ هذا يشيدهُ سحرُ عينيكِ
وإلهامُ حسْنكِ المعبودِ
وحرامٌ عليكِ أن تَهْدمي ما
شَادهُ الحُسْنُ في الفؤاد العميدِ
وحرامٌ عليكِ أن تسْحَقي آمـ
ـالَ نفسٍ تصْبو لعيشٍ رغيدِ
منكِ ترجو سَعَادَة ً لم تجدْهَا
في حياة ِ الوَرَى وسحرِ الوجودِ
فالإلهُ العظيمُ لا يَرْجُمُ العَبْدَ
إذا كانَ في جَلالِ السّجودِ
لعلنا في هذه التغريدة نكون قد ألقينا جانبا مضيئا من عالم شاعر المروج الخضراء ابي القاسم الشابي رائد الحب عاشق الحياة في ارادة تفتح لنا عظمة رسالة الشعر ومدي استجابة روحه الطاهرة لمعانقة الامل و الشدو الغناء دوما بين أفانين الطبيعة الفيحاء في رومانسية يتلقاها المتذوق لمثل هذه القصائد المنسوجة بغزلية الشابي المتفردة بين احضانها الخلابة في خيال واسع تكسوه المفردات و الايقاعات التي تحرك النواظر و الاسماع نحو هذا الفن الجميل في عفوية و تناسق يستدعي لحظات العمر من قاع المدينة التي اصابتها جمود من الصراعات التي فتكت بثوابتها و التي حولت الاخضر الي لون احمر مخضب بالدماء و القهر حتي هجرت دوحتها الطيور الشادية لكن بقلائد الشابي تعود معني الحياة من جديد اليها --------
مع الوعد بلقاء متجدد لتغريدة الشعر العربي أن شاء الله --
================================
ليست هناك تعليقات