أحدث المواضيع

عود على بدء... بقلــم : ماهر اللطيف





عود على بدء...
... 
مما لا شك فيه، أن القرن الحالي هو نسخة مطابقة للأصل من القرن العشرين من عدة زوايا و رؤى ما عدا ناسه ( البشر الموجودون حاليا هم أحفاد بشر القرن الماضي) ،توزيعه الجغرافي ( وخاصة تفكك الإتحاد السوفياتي و دول تشيكوسلوفاكيا ) ، تغير المناخ (عدم استقرار الطقس وتداخل الفصول نتيجة تغلغل التلوث في الحياة اليومية وفي الطبيعة إلى أن حصل ثقب في طبقة الأوزون...)،الزمان الذي لم يعد نفس زمن القرن الماضي على جميع الأصعدة وخاصة منها فيما يتعلق بالمعارف،الاختراعات ،الاكتشافات، العادات والتقاليد،الأخلاق والخلق،التعلق بالدين ، الثقافة، التعليم،....،انقلاب موازين القوى ( تفكك الإتحاد السوفياتي جعل أمريكا المهيمن الوحيد على العالم وإن برز الإتحاد الأوروبي فيما بعد ، إلا أنه لم يستطع أن يصنع من نفسه منافسا عنيدا وعتيدا لأمريكا حتى بات تابعا لها على غرار بقية شعوب البسيطة...) ، وغيرها من الاختلافات الأخرى.
أما أوجه التطابق فهي متعددة، منها ما تعود عليها الإنسان منذ القدم كالأنانية ،حب التملك والسيطرة ، اللهفة، الجري وراء المال والجاه والجنس ،محاولة إشباع الغرائز والرغبات بشتى الطرق والوسائل ولو على حساب أقرب الناس إلينا ، ...، ومنها ما رأيناها مماثلة لما شهده القرن السابق ( وفق ما درسناه في المدارس وما خطه المؤرخون،الشعراء،الأدباء وشهود ذاك العصر) ك:
_ الأزمة الاقتصادية العالمية الخانقة التي قبرت الطبقة المتوسطة وضاعفت من نسب الطبقة الفقيرة التي فاقت ثلثي البشرية والتي وصل نزر منها الى ما دون المستوى الأدنى للبشرية واقترب من الحيوانية متى أمسى يقتات من سلات المهملات وفضلات القمامات وبقايا الأثرياء من الزعماء،الحكام،رجال الأعمال،زعماء الأحزاب،الفنانين،الرياضيين،بعض المفكرين والباحثين ورجال العلم والدين....
_تفاوت ميزان العرض والطلب واضطرابه مما أدى إلى إغراق الأسواق بالبضائع والمعروضات وغيرها دون أن تجد الترويج المعتاد المنتظر نتيجة حاجة وفقر العامة وعدم مقدرتهم على مجاراة متغيرات السوق و الارتفاع المستمر للأسعار مما انجر عليه لتلاف البضائع،حرقها،رميها في البحر،التفويت فيها بأبخس الأثمان،بيعها دون سعر رأس مالها....
_سعي الدول إلى انتهاج سياسة التقشف والضغط على المصاريف مما أسهم في تفاقم نسب البطالة والفقر وانتشار الجريمة،المخدرات....وغيرها من الظواهر التي زادت من تأزم الأوضاع.
_تزايد أطماع و رسم أهداف الغزاة والأقوياء من أجل مجابهة مشاكلهم الداخلية بافتعال المشاكل ،الخلافات ، الحروب الأهلية وغيرها من الشباك السميكة التي تقع فيها بسهولة كل فريسة ضعيفة تعتقد أن تلك الخيوط ما هي إلا خيوط النجاة والحياة...(فما صناعة "داعش " الأمريكية/الإسرائيلية إلا دليل على ذلك إذ جعلتها تقضي على الشعوب العربية الإسلامية بغطاء ديني بحث بعيد كل البعد عن الواقع وعن سماحة،سلاسة،رحمة،عذوبة،أخلاق وخلق الإسلام....، وبأيادي عربية إسلامية هشة التكوين الأكاديمي،العلمي، الثقافي،المعرفي،الديني واستغلت وضعهم الاجتماعي المنحط لتغرقهم بالمال والوعود الزائفة وتغسل أدمغتهم المتواضعة غسلا تاما لا ينفع معه أي شيء آخر ناهيك وأنهم "سيطهرون الأرض من الطواغيت والمرتدين" وسيفتحون البسيطة فتحا جديدا وفق مناهج وأهداف الدولة الإسلامية المزعومة التي يحاربون من أجل إرسائها من المحيط إلى الخليج في مرحلة أولى دون المساس باسرئيل وأمنها بطبيعة الحال مادامت الأم الحاضنة لهم – وهي الأولى بالفتح لو كان خطابهم صحيحا مرجعيته القرآن والسنة - ، الاستشهاد في سبيل الله ونيل الجنان والحور ومجاورة الرسول صلى الله عليه وسلم...وبالتالي،فقد ضربت الدول العظمى عصفورين بحجر واحد دون أن تخسر جنودها وعتادها....)
_تناحر الدول وعدائها لبعضها البعض مما زاد من تقارب البعض (الإتحاد الأوروبي وأمريكا ، اتحاد التعاون الخليجي...) وتحارب البعض الآخر( العراق والكويت : مما أسرع بالتدخل والاستعمار الأمريكي للعراق الشقيق وتقسيمه إلى أقاليم ودويلات صغرى...) .
_استفحال ما يعرف ب " الإرهاب " وتغلغله في كامل أصقاع المعمورة ولو بنسب مختلفة على إثر أحداث 11 سبتمبر 2001 بأمريكا وما خلفه تحطم مبنيي التجارة العالمية من أموات فاق ال 3000 حينها وأرجعت العملية إلى تنظيم القاعدة (وهو صنع أمريكي كذلك ) الذي حاربته أمريكا وحلفاؤها إلى أن قضت على زعيمه "أسامة بن لادن " ورمت بجثته في البحر ( حسب روايتها طبعا ) وقضت على التنظيم نهائيا بعد أن أضعفته ونالت منه رغم ترؤس الظواهري له إذ غمره "داعش " وجعله تابعا له – بما أنه أخوه-.
_انتفاضة بعض الشعوب العربية وثورتها على حكامها انطلاقا من تونس (14 جانفي 2011)،مصر (25 فيفري 2011)،ليبيا،اليمن،سوريا (انقلب ذاك الحراك إلى حرب أهلية وعراك بين جيش نظامي ومعارضة إلى حد كتابة هذا المكتوب)، وهو ما يعرف ب "الربيع العربي " والذي انقلب فيما بعد الى تناحر بين القوى الدينية الرجعية والأحزاب العلمانية التقدمية ...وقد ساهم ذلك في سقوط العديد من الضحايا واستفحال الفوضى،التمرد على القانون، العصيان المدني، التقهقر وتدني مستوى المعيشة،غلق المؤسسات الحيوية والاقتصادية،....تزايد البطالة والفقر،انتشار الجريمة والمحذرات،الانحطاط الأخلاقي وتجاهل العادات والتقاليد..السماح ل " داعش " بالدخول وتدمير البلدان والمكتسبات (العراق،سوريا وليبيا)...، غير أن تونس قد نجحت نسبيا في تخطي هذا المنعرج الخطير وسارت خطى حثيثة على نهج الديمقراطية،حرية التعبير وغيرها من التحولات الجذرية العميقة التي تذكر فتشكر رغم الهنات والسلبيات المتعددة التي جعلتها تتخبط في مشاكل نوعية ومركزية كالتشغيل،العدالة،المساواة،القضاء على الجهوريات وعلى التفاوت الطبقي وغيرها...تماما مثل مصر ولو بنسبة أقل من تونس بالرجوع إلى نسبة السكان،قوة الأحزاب المتناحرة،ضخامة الإمكانيات والعتاد وغيرها...
_تدني الإنتاج الفلاحي العالمي نتيجة التحولات المناخية وتقلص الأراضي الفلاحية على حساب الأراضي العمرانية والصناعية والفلاحين الممارسين لهذه المهنة النبيلة وتغيرها بالفلاحة الصناعية التي أضرت بصحة الإنسان،طاقاته،مناعته،ذكائه...
_وغيرها من الظواهر المتشابهة بين القرنين (21 و 20 ) التي نرجو أن لا تؤدي إلى نفس النتائج وهي الحرب العالمية....
لكن،وفي خضم هذا العرض ورجوعا إلى كوني عربي مسلم،علينا التساؤل عن وضعية العالم العربي الإسلامي داخل هذا كله؟أين هو وماذا يصنع؟أي دور له في كل هذا؟....
فإن لخصنا الوقائع لوصلنا إلى استنتاج فكرة مركزية لا يختلف عليها اثنان وهي أن العالم العربي الإسلامي هو محور الصراع في القرن 21 ،هو الغاية (إذ تفكيكه وتشتيته يساعد على إنشاء إسرائيل الكبرى)والهدف ( الاستيلاء على ثرواته وممتلكاته ومخزوناته الضخمة).....فقد عمل الغزاة (أمريكا وإسرائيل ومن جرى في فلكهما لنيل بعض من الفتات) على إضعاف هذا العالم والقضاء عليه قضاء تاما حتى يقيموا على أنقاضه مشروعهم الضخم " اسرائل الكبرى " بعد أن أنهكه الفرنسيون والإنجليز في القرن الماضي وجعلوه لقمة سهلة الابتلاع والهضم لمن يروم التوسع والثراء دون أن يحركوا ساكنا إذ اكتفوا بالاستقلال المكاني وبقوا توابع للغة وحضارة المستعمر،عاداته وتقاليده – وإن بدا لهم أنهم قد تخلصوا من ذلك وعربوا كل شيء - ،ثقافته،مناهجه....فهو – العالم العربي الإسلامي – الى حد الساعة مستعمرا ثقافيا،أدبيا،معرفيا،حياتيا....هو مستهلك مائة بالمائة لما ينتجه الغير على جميع الأصعدة....
فعالمنا العربي الإسلامي يا سادة عالم يتوق للتباهي بأمجاد الأسلاف وحضاراتهم التليدة،يتفاخر بانجازاتهم وعلومهم المعلومة التي تبناها الغرب وطورها وطوعها لحياتنا اليومية، عالم يعشق الكلام ويجيده ويكره العمل،الإبداع،الابتكار،الخلق....عالم يحلم بالثراء والمجد دون تعب أو عرق....عالم يحلم،يحلم ويحلم بالمستحيل ويجز عن تحقيق المتاح الممكن....
نعم،إنه عاطفي لا يؤمن بالواقعية وبضرورة التغير للتعايش مع متغيرات العالم اليومية،شاعري في بعض الأحيان يستمد الصور الشعرية من خياله الخصب ليطوعها مع أحلامه وأمانيه الضيقة التي لا تتطابق مع واقعه،إمكانياته،قدراته وخصائصه الجسدية والفكرية،مائل إلى المثالية والعنجهية وهو محدود الإمكانيات والقدرات،أناني ومستبد يرى أن الكون من دونه عدم –وهو أرحم في الحقيقة -، .....إلخ
إضافة إلى ذلك،فقد كان –ولا يزال- دوره في هذه الأحداث جد سلبي وباعث على الحيرة والاستغراب إذ كان لقمة سائغة للغير وتعامل مع كل الأحداث كما خطط له صناعها متى أسهم في تفرقة الشعوب العربية وانقسامها إلى طوائف وأحزاب متناحرة (العراق،سوريا،ليبيا،...)ودول ( السودان ) وعمق من الجهويات داخل الأمصار (تونس،مصر...)...فرط في ثرواته وممتلكاته للغزاة دون قيد أو شرط بدعوى إعادة الإعمار والبناء ،تنازل عن أهم قضاياه واهتماماته المصيرية وأولها ضرورة تحرير فلسطين ونحر إسرائيل إذ اكتفى ومن ورائه الجامعة العربية – التي لم تتخذ أي قرار صائب ومصيري منذ تكوينها سنة 1945 إلى اليوم – بالشجب،التنديد،الرفض...وغيرها من الشعارات الرنانة المضحكة المبكية على حال هذه الأمة وما تعانيه من جهل،تخلف،خوف،تبعية حكامها وزعمائها وتشبثهم بكرسي القيادة وما يوفره لهم من كنز للثروات والممتلكات...
فنامي يا أمة العروبة والإسلام،استسلمي للغزاة ومراميهم،افتحي مخازنك لناهبي الضعفاء وسارقيهم، احلمي بما شئت وغيرك يعمل على أرض الواقع،احرصي على عدم التفريط في كرسي الحكم ورثيه لأشبال حكام اليوم – رغم تنوع أنواع الحكم في الدول العربية الإسلامية – عساهم يضاعفون من الثروات والممتلكات...نامي،فلنا رب لن يتركنا أيها الطغاة وسيبعث فينا –ولو لاحقا- من يخافه ويعمل على إرضائه دون قيد أو شرط، من يعلي راية الإسلام الحق ويقضي على كل مشرك وملحد كما أمره ربه ونبيه صلى الله عليه وسلم لا كما يدعي تجار الدين حاليا على اختلاف أنواعهم ،أشكالهم ومذاهبهم،أهدافهم ومراميهم الحمقى..

ليست هناك تعليقات