هل الفنان - العربي عامة والعراقي خاصة - فشل تربوياً؟ بقلم : سيدمحمد الياسري
هل الفنان - العربي عامة والعراقي خاصة - فشل تربوياً؟
بقلم : سيدمحمد الياسري
..........................
من المآسي التي نمر فيها كأمة اسلامية ودول عربية ، ان من تحرّمه ان يدخل بيتك ، معك حتى في غرفتك الخاصة، قد يستغرب أحد من هذا الكلام ، لكن الواقع اننا نمر بنفق مظلم من الثقافات الدخيلة ، التي قد أرهقت المجتمع اكثر بدل من ان تدفعه الى عجله النمو الاخلاقي والتطور العلمي ، ومن أهم الاشياء التي لم ينتبه لها العرب بصورة عامة والعراق بصورة خاصة ، الفنان، قد يكون الفنان ليس بيده شيء ، لان هناك موجه له ، كالمنتج ، والمخرج والمؤلف ، لكن آلة الفنان ان توقفت توقف هؤلاء ، لإنه العجلة والمحرك معاً، مما يثير الجدل ، لماذا لم ينجح الفنان العربي ؟ قد يجيب بعض الفنانين كما نراهم وخاصة العراقيين ، بان يتعذر عليهم الابداع بسبب ان الفن الاجنبي له امكانياته العلمية وآلاته المتطورة ، وهذا هو ديدن الفنانين العرب كذلك ! قبل اعوام( سنة ١٩٩٨) قرأت من منشورات وزارة الثقافة العراقية سلسلة الكتب الفنية لعام ١٩٨٠ دار الحرية كتاب لهاشم النحاس اشتريته من البالات (يوم الجمعة/ شارع المتنبي) والظاهر إنه لم يقع في يد أحد أو وموجود منه بكثرة عنوان الكتاب ( الروائي والتسجيلي ، محاولات في النقد التحليلي الفني للفيلم) يظهر ان وزارةالثقافة العراقية طبعته ولم يكن له رواج!.. يتحدث عن الافلام العربية ، صنعتها ، مشاكلها ، وقتها ، الخ..، المهم وجدت فيه جوابا في صفحة ١١ اولى صفحات الكتاب لهذا السؤال وهذا نصه : ((عندما أراد جورج سادول شيخ مؤرخي الفيلم أن يحصر أهم مائة فيلم في تاريخ السينما كان من بينها ١٣ فيلما من أعمال شارلي .بينما لم تتجاوزأعمال أي فنان آخر - داخل هذه المجموعة المختارة- أكثر من أربعة أفلام ، رغم ما لاسماء أصحابها من مكانة رفيعة في تاريخ هذا الفن )) نحن مانسميها الافلام الصامتة حتى لا توجد فيها صوت ، إذا القضية ليست أمكانيات مادية او تقنية، والألة قديمة لا تستخدم الآن في التصوير،ومن الواضح من أن الفنان تشارلز سبنسر شابلن ( شارلي) قد كان عرف اين يكمن النجاح ، ولو تعمقنا قليلا بهذه الأفلام نجدها على الرغم من فكاهتها ، فأنها تهتم بالجانب التربوي الذي يشعر به المشاهد من دون استهجان ، او أستحقار شريحة معينة ، كما في مصر ، من الصعيدي ، أو ابن القرية المتخلف ، وحتى نقده الى سياسة هتلر، كانت مبنية على متانة التصرف ، وثمة القصة ، التي انتجت شخصيات مركبة ذات ايدلوجية واضحة ، فالكوميديا المصرية مثلا تتمحور على الصعيدي وابن الفلاح ، الا ماندر ، ونرها تجعل الفضيلة واللحمة الإجتماعية سخرية ،من دون ان يساعد في نهضة الصعيدي ، أي السخرية جاءت للامتاع فقط وليس فيها هدف تربوي ، بل هدم القيم الاجتماعية وخاصة في المدينة، اذ كانت هناك تراجيديا مبتذلة ،لا تقيم الا ما شذ وترتكز على الجنس مباشرة ، في المقابل نرى العراقي كذلك ، يتمحور على ابن القرية ، فنرى ان المجتمع يضحك لكن سرعان ما تتبخر من الذاكرة ، أولا ، ثم تعطي اشارات أجتماعية ، تجعل ابن المدينة يأخذ نظرة خاطئة ، وابن القرية يأخذ موقفا سلبياً، مع ان في كل الظروف التي مر بها العراق كان السند الاساسي للثورات هم ابناء العشائر، وكذلك الدول العربية ، وقد قدموا من ثورة العشرين الى يومنا هذا الحصة الأكبر من قوافل الشهداء، الذي لم نسمع من الفنانين غير السخرية ، واشباع ثكنات المسرح ضحكا ومما يثير الدهشة ان أكثر الممثليين هم ينحدرون من القرية ، ويعرفون ان لا اللهجة التي يستخدمها الفنانون بالتمثيل ولا تلك الافكار والثقافة ، في القرية ، صحيح، توجد اخطاء في العشائر ، كما توجد أخطاء في المدينة ، وهذا هو عمل الفنان ، وضع الخطأ وخلق الصح ، بشخصتين تتصارعان من أجل أثبات الصح مكانة ، بالمقابل يحول الباطل محو الصح لأغراض واضحة، لكن الفن لم يأت بالخطأ كي يصححه او يتركه للجمهور ، بل أضاف خطأً آخر! ولعل اكثر من خطأ !
أضاف الخطيئة! والسؤال لماذا فعل الفنان ذلك؟ قد يقول احدهم انه النص ! وهذا كذلك الشريك الأكبر لإن مع كل الأسف لا توجد نصوص بمستوى المعالجة الاجتماعية ، ربما لان الكاتب قريب عهد بالرواية وصنعتها ، لكنهم مبدعون بإختيار الكلمة ،ونحن أمة القلم والأدب ؟ فماالسبب ؟ أعتقد ان ثمّة عدة اسباب لكن من أهمها ان الكاتب لا يعمل بفكره بل بفكر القائد الضرورة لكل بلد عربي والعراق خاصة ، حتى الذي يلجأ الى دولة اخرى يجد فيها نفس القائد الضرورة او انه مدين الى من منحه قسطا من الأمان وجزءا من الحرية ، فنرى المسلسلات الخليجية هي عبارة نفس القصة مرتبطة بتبادل الادوار ، شركة ورئيسها وابناءه وخدمهم والمخدرات والمرأة وزوجها وام زوجها وانتهت ، حتى قيل المجتمع ان الخليج خالي من المشاكل ، لا سياسة ولا نضال ولا نقد دولة ولا تاريخ ، كذلك المصري نفس القصة ودائما نرى البطل له ولد او بنت ، وكذلك المغربي ووو ، الا انه يوجد تغيير بسيط في السوري ، وهو أظهار القيم واللحمة ، وقد حققوا نجاح في بعض المسلسلات والأفلام التاريخية والاجتماعية ، ووضع اشارات اجتماعية كالأحترام والاتزان ، وحتى نقد ايجابي للدولة كما هي سلسلة مسلسلات ياسر العظمة ( مرايا) وباب الحارة ، وولادة من الخاصرة ، للكاتب فؤاد حميرة ، وهي من المسلسلات الناقدة لكل الاطراف ، السياسة ، والاجتماعية ، ولكن نفس المنوال لا جديد في إظهار الحقائق الأجتماعية او التاريخية ، كاملةً، كما التكرار في القصص ، وكذلك العبارات ، الا ان التمثيل السوري ابتعد عن الابتذال ، وان وقفت بعض المسلسلات من مسافة قريبة ولامسته ، لكنها لم تقع فيه، عكس ما كانت الكتابة المصرية التي فيها تطرف واضح نحو تغريب الشرق ، او المجتمع المصري واستيراد حتى الأفكار ، ونقد الدين ، وليس من يحمل الدين، وان كانت ترتكز على العلاقات العاطفية وان العقدة هي العاطفة وكأن المجتمع المصري ، ليس فيه عقد تتيح للكاتب والفنان ان يكتبها ويجيدها غير الحب،وان كانت مسلسلة رحلة ابي العلاء البشري ، بداية للانتاج التربوي ، لكنها لم تكمل ،بمسلسلات تقيها من أخطاء ماتقدم ذكره،على الرغم من ان الكتاب المصرين كفتحي غانم ، ولطفي السيد ، ونجيب محفوظ وعبدالرحمن ومنيف واخرون،لهم تراث قوي وخاصة انهم اصحاب روايات ، يمكن ان نطلق عليها روايات عالمية، الا انهم لم يكتبوا مباشرة للتلفزيون،كما هو أسامة انورعكاشة ، الذي كتب كثير من المسلسلات كرحلة ابي العلاء البشري ، وليالي الحليمية، وغيرها... اما العراق ، فالنص هزالة واضح كما في المهافيف ان لم تخني الذاكرة لعبدالباري العبودي، والتي لم تلامس الواقع العراقي ، بل عكست تجربة مريرة ان الكاتب والفنان كلامها بعيدان عن المجتمع العراقي، حتى الافلام التاريخية ، ما هي الا نصوص بعيدا عن ما كتبه المؤرخون ، وهذا ما جعل المثقف بعيدا عن مسلسلات وافلام العراقية ، وما تكتبه الصحف والمجلات عنها مجرد اشباع واعلاء الفكرة ، لكن المحاولات الجادة موجودة، في بداية تنفس بعض الحرية ، مثل مسلسلة نوري باشا، وفيصل، ومناوي باشا ، إلا ان الممثل يعود لينتج ما يهبط النهضة كما في بيت الطين ، الكوميديا التي تسخر من فلم ثورة العشرين ، اي تضاد واضح ، والسخرية من مجتمع نمت منه المدينة،اي السخرية من الانسان العراقي ، حتى في هندامه، وتركيبته الأجتماعية، كان سابقاً السياسة تلعب دورا رئيسيا في بناء ومنهج الفلم او المسلسلة بكل تفاصيلها حتى الأجتماعية منه لذا لانجد كاتبا تلفزيونيا ، يتجه نحو بناء فكره بما رآه وأيقن فيه او بما يراه في المجتمع واراد ان يغير او ينقد ، بل يتجه باتجاهات سياسات الحاكم ، أضافة ان اكثر المسلسلات منقولة من تجارب أجنبية وبعضها نقل حرفيا مجرد تغير بالاسماء وهذه من اهم العوامل التي ارهقت الفن مما جعل الفن لا يتكلم اويترجم حياة شعبه بل يتكلم عن اخطاء الشعوب ، التي فهمها المتلقي العربي نقدا لواقعه ، كما ان الفنان لا يلتزم بالنص او السيناريو وقد رأينا مثلا ومنها كثيرا ان فردوس عبدالحميد قد مثلت مع محمود ياسين ابوحنيفة ورفضت ارتداء الحجاب ، اضافة الى ان النصوص المنقولة من الافلام الاجنبية هي تعالج او تشرح شواذ المجتمع الغربي ، نرى انها تنعكس سلبيا على مجتمعنا العربي ، وخاصة ما كان من ابتذال في الفيلم المصري او المسلسلة، وقد نرى ان من المسلسلات في بعض ، تبقى ومضة فكرية ، الا ان الطابع الاكبر ، بقى ما هو مبتذل ، هذا الفقد قد شعر به بعض الممثلين لكنهم لم ينتجوا بل توقفوا كما في الايام العصيبة التي مثلها طعمة التميمي والتي اخذت نصا من رواية ( البؤساء) لفكتور هيجو ، وان كانت الرواية تحث على الأصلاح ، وتميز ان العمل الخير يخلق خيرا ، إلا انها تبقى تخص الحياة الفرنسية ، لان لا توجد اسنان تباع في الوطن العربي ، كي تبيعها فانتين لابنتها كوزيت غير الشرعية !
عود على بدء ، نرى ان الفنان لم يأت الا بالخطأ ، وما أعماله الفنية الانسانية الا قليل وهي التي في النهاية تخلده ، كما انه في عمله من استهزاء بشريحة اجتماعية في ساعة ناقوس الخطر نراه يلوذ بعيدا في دول العالم ونرى من استهزىء به يقاتل ، دليل على ان في داخله عقدة ، وخاصة انه جيء من القرية ، قد يكون- وليس اكيدا- ان الفارق الطبقي والنظرة حول الانساب في العشائر ، هو الذي جعله يتجه هذا الاتجاه السلبي ، ان كان كاتبا ، او فنانا،ولم يظهر القصص الرائعة ، التي توجد في القرية ، كما ان ابن المدينة ، للفوارق كذلك دورها وللابتذال ، حتى في زمن نجد ان الفن انخرط فيه الغجر وبنات الهوى ، بينما ، يجب ان يكون الفنان من المراتب العليا في المجتمع ، ومن الطبقات ذات اللحمة ، والنخوة ، والشهامة ، والمروءة ، لانه يدخل في كل بيت .
كما ان ابتعاد موسسة الدينية عن الفن ، وتحريم المسلسلات ظنا بانهم يقفوا اما يتبناه الفنان من افكار مستوردة ، وما فيها من ابتذال ، جعل الفن ينفذ بسرعة الى المجتمع، حتى لعائلات المؤسسة الدينية ، كان من المفترض ان تحتضن الفنانين والكتاب وتخلق منهم عزيمة الفضيلة ،والروح التربوية العالية ، ولولا قرب الفنانين من التأثر بالفن الاوربي ، والمدنية، وقرب اكثر الفنانين للحضارة الاوربية ، لكان هناك طامة أخرى ، اذا أتجه الفنان نحو مبدأ متعصب ، ولحظنه الإرهاب ، وليس من البعيد في ذلك ، لان البحث عن وجود الله في كل انسان وهي فطرة، فالمؤسسة الدينية دفعت الفنان للابتذال ، لكونها بعدت عنه، وكذلك المجتمع ، وخاصة العشائر ، الذي يستهجن ويسخر من الفنان ، وينظر له نظرة لا تزال في مجتمعنا نظرة دونية ، وفي بعضهم غجرية، مما دفع للكاتب والفنان يبحثون عن شيء يبعدهم عن هذه الشبهه! فكان ماعملوه بعيدا عن الواقع ، لانه لا يريد ان يظهر من يسخر منه مظهرا حسناً، ربما ليس في كل الفنانين ، لكن استصغار الفنان من قبل المجتمع المتحفظ ( وما اكثره) واضحا ، ويتحسسه كل فنان،حتى ان بعض المبتدئين ، يخفون ميولهم في المجتمع خيفة النقد!؟ وخيفة السخرية!.. المؤسسة الحكومية ، لم تهتم بالفن ، كما هو بيّن ، فلا توجد مؤسسات لدعمه ، او مدارس ، او منهاج ، مجرد التدريس ، على هامش ما قدمه الفنان ، حاملا كل أرهاصاته للتعليم ،...
النصوص ، بقت ضحلة مع مستوى العقد الاجتماعية الموجودة ، عربيا وعراقيا، فلاتوجد دولة عربية الآن لا تعاني من عقد الطائفية ، والتحزب ، وسلطة الحاكم الذي يستولي على جميع املاك الدولة ، مستأثرا فيها، كما يوجد لدينا تاريخا ضخما ، فيه من العقد ، وفيه من وجهي الجمال والقبح ، كل هذا يتركه مؤلف المسلسل ليبحث عن كتابات دستويفسكي او تولستوي او موبسان او فكتور هيجو ، او ادغار الن بو .......، او من أفلام ومسلسلات اجنبية ، كتبت من عقد مجتمع مختلف عن عقدنا، وثيم روايات ، كادت لا تكون موجودة في مجتمعنا، كما ان المجتمع الأوربي ، يتمحور على دائرة يتمحور فيها الكاتب العربي يبقى نصه ضحلا ، لانه لايرى ما في داخله، في بلادنا ميثولوجيا ، كاد ان تكون معدومة في حضارات الدول الاوربية .كما توجد مادة دسمة كما اشرنا ، وواقع محزن للمآساة ، من الممكن ان يضع الكاتب بصمته التربوية ، وحتما سيجد مجتمعا معه ، وكان على الفنان رفض النصوص الضحلة ، وحتما سيعود الكاتب ليجد له نصا يتقمص به شخصيته المركبه ، يبكي لبكاءه ويحزن لحزنه ، ويغضب لغضبه ، ويضحك لضحكه ، فيكون هو لا الممثل، الذي نراه مجرد صراخ ، بصوت عالي ليعوض او يغطي ما في داخله ، من ان الشخصية غير مطابقة وغير قابلة للتقمص ، وان المونولوج لايتكلم عن نفس الشخص.
ليست هناك تعليقات