خوازيق كوبري سوهاج بقلم : عبدالرحيم حشمت عسيري . المحامي
خوازيق كوبري سوهاج
بقلم : عبدالرحيم حشمت عسيري . المحامي
انتشر الفساد في البر والبحر ، وأزكم الأنوف ، ولوث الأجواء .. وما انهيار كوبري سوهاج إلا نقطة في نهر من التردي والتسيب والإهمال الذي جرف أمامه الأحلام والطموحات والآمال ، وأغرق البلاد في الفساد حتى الأعناق ، وجعلها تحتل المرتبة رقم 94 بين الدول الأكثر فسادا على مستوى العالم .. في قائمة ضمت 177 دولة فاسدة تحتل فيها الدولة الأكثر فسادا المركز الأخير ، بينما تحتل الدولة الأقل فسادا المركز الأول .. وفقا لمؤشرات عالمية تعتمد على معايير اقتصادية معترف به دوليا .. حيث يشير هذا التقييم السنوي إلى الدول التي ضرب الفساد الخدمات والمرافق العامة التي تقدمها لشعوبها من حيث جودة الإنشاء ومستوى الإدارة والأداء .
تقع مسئولية جريمة انهيار كوبري سوهاج على عاتق كل من صمم ونفذ وتابع وراقب واستلم واعتمد وهي وصمة عار على جبين هذه الحكومة وجميع الحكومات التي سبقتها .. إذ تعتبر بلا أدنى مبالغة لقطة صغيرة في مشهد دولة عظيمة شاءت الأقدار أن يتحول فيها الفساد على مدى عشرات السنين في ظل غياب المكاشفة والمحاسبة إلى مجرد عادة يمارسها الفاسدون الكبار في وضح النهار ، ويوزعون أدوارها فيما بينهم ، ويقسمون مغانمها بدم بارد .. كما لو كانت مصر لقيطة ليس لها صاحب ، أو تركة خلفها لهم آبائهم ، أو مكافأة منحها لهم النظام .. ثم وهذا هو الأهم كيف تطمئن رؤس الأموال الوطنية ، وكيف تتدفق رؤس الأموال الأجنبية للإستثمار في دولة أصابها الفساد من شعر رأسها حتى أخمص قدميها ؟ .
إن حالة الفساد التي اكتنفت جريمة انهيار كوبري سوهاج .. ليست الأولى من نوعها ، ولن تكون الأخيرة ، خاصة وأن سبب الانهيار كما قال أحد المسئولين الكبار (نسيوا يدقوا الخوازيق) وهذا ليس له أي تفسير سوى الرغبة في ضغط بنود التكاليف ، بهدف رفع سقف هامش النهب والهبش والتهليب فالصعيد كما هو معروف - وخصوصا محافظة سوهاج - قتله التهميش ، ونهشه الفساد ، وقضى على أحلامه الحكام ، وحرموه من أبسط حقوقه الإنسانية منذ عصر المماليك وحتى الآن .. ويكفي أن نعلم أن الحكومة لم تستأنف العمل في استكمال الطريق الذي يشمل (الكوبري المنهار) .. إلا بعد وقوع كارثة غرق 14 طالبة جامعية العام الماضي .
محاربة التردي والإهمال والتسيب والفساد ، وفرض سياسة تقشفية شاملة على الوزارات لا تحتاج إلى تفويض أو مطالبة أو تكليف أو مناشدة .. بل ينقصها إرادة سياسية حرة مستقلة ، وقيادة وطنية قادرة على القضاء على الفساد ، عازمة على قطع رؤوس الفاسدين والخونة والمتآمرين بموجب قوانين ، ولوائح ، وقرارات سيادية صارمة كافية لتطهير جميع المؤسسات الحكومية من جيوب المتربصين من اللصوص والمنحرفين أعداء الوطن وأعداء الدين .. وإلا ظللنا أبد الدهر في أماكننا ، نلف وندور حول أنفسنا في دائرة ضيقة مفرغة لا نعرف أولها من آخرها .. مصر في ظل هذه الأزمة الاقتصادية الطاحنة في أمس الحاجة إلى إرادة سياسية مستقلة .. للقضاء على الفساد ، وفرض سياسة تقشفية على الهيئات العامة والوزارات ، وإيقاف جميع صور الإنفاق على كافة مظاهر البزخ الحكومي الكذاب الذي يعتبر من أبشع صنوف الفساد المستفزة لمشاعر شعب معظمه لا يجد قوت يومه .
من حق هذا الشعب بعد ثورتين شعبيتين أن يرى على أرض الواقع شيئين لم يراهما من قبل على مدى تاريخه كله ألا وهما : العدالة والمساءلة فمن حقه أن يرى تطبيقا حقيقيا للعدالة بجميع أنواعها وأشكالها ومفاهيمها ، وخصوصا العدالة الاجتماعية التي تمس الحياة اليومية للغالبية الساحقة المسحوقة التي تحب الرئيس السيسي ، وتهتف باسمه ، وتؤيد قراراته فهي سنده ، وظهيره ، وساعده ، وشعبيته ، ونصيره .. تقف معه عن يمينه وعن يساره ومن خلفه وأمامه اليوم وغدا وإلى آخر يوم في حياته .
أما المساءلة القانونية فيبدو أنها أمنية شعبية مستحيلة .. خاصة بعد تصالح الدولة مع الفاسدين واللصوص من الوزراء ، وكبار المسئولين ، ورجال الأعمال ، ووزير الداخلية الأسبق ، وقياداته الأمنية في عهد الغطرسة والفساد والتوريث والقرطسة والاستبداد .. نعم تصالحت الدولة مع هذه العصابة نظير استرداد جزء يسير .. مما نهبوه من المال العام على مدى عشرات السنين .. ولا أدري كيف لدولة قانون تقبل التصالح مع من قتلوا العباد ، وخانوا القسم ، ونهبوا ثروات البلاد ؟ .. ألا يشجع هذا التصالح المريب ضعاف النفوس من المسئولين الحاليين واللاحقين على نهب ثروات البلاد من جديد ؟ .. خاصة وأن عقوبة نهب المال العام حسب هذه التجربة المخزية لا تزيد بأي حال من الأحوال عن سنة سجن يقضيها الحرامي في ممارسة الرياضة في (برتو طره) ، أما طعامه فمن أفخم مطاعم وفنادق القاهرة ، وبعد الإفراج عنه يتصالح مع الدولة ، بعدما يدفع لها الفتات مقابل الإفلات بالمليارات ، ثم من حقه بعد ذلك أن يترشح للبرلمان ، ويرفع شعار الطهارة والإيمان ، ويعطي لأبناء هذا الشعب دروسا مستفيضة في الأخلاق والورع والأدب ، ويدعوهم إلى إعلاء مبدأ المواطنة ، ويشرح لهم قيم الاستقامة والأمانة ، ويتهم شباب الثورة بالخيانة والعمالة ، ويعلن في كل مناسبة وبلا مناسبة أن ثورة 25 يناير مؤامرة على الدولة .. وسلم لي على شباب الثورة ، وبالمرة صبح لي على هيبة الدولة ، أما القانون فكرامة الميت دفنه بأقصى سرعة ممكنة .
لا يختلف عاقلان على وجه الأرض على أن الرئيس الأسبق المخلوع ، وأبنائه ، وحاشيته ، وأعوانه ، وأركان حكمه ، وفلوله من اللصوص والقتلة والمجرمين والبلطجية والفاسدين والخونة اغتصبوا حقوق هذا الشعب المغلوب على أمره ، ودمروا مستقبله ، وقتلوا أبنائه ، وقضوا على أحلامه ، ونهبوا خيرات بلاده ، وسرقوا هدومه وتركوه عريان .. ثم بعد ذلك كله تأتي هذه الحكومة الميمونة فتتصالح مع السارق وتفرض سياسة تقشفية على المسروق !! .. وكأن لسان حالها يقول يجب على هذا الشعب بعد ذلك كله .. أن يحمد ربه ، ويشكر فضله ، لأننا نحكمه .. وهنا تحضرني نادرة من نوادر جحا .. حيث يحكى أن جحا قام ذات يوم بغسل جلبابه الذي لا يملك من حطام الدنيا غيره ، ونشره على غصن شجرة على قارعة الطريق ، وما أن غفى في ظلها حتى استيقظ ليكتشف أن يدا آثمة امتدت إلي جلبابه وهو عنه من الغافلين ، فعاد جحا إلى بيته بخفي حنين ، وعلامات الغضب ظاهرة تماما على وجهه ، ولما علم جيرانه وأصدقاؤه وأقاربه بما جد في أمره ، جاءوا تباعا لمواساته ، فقال لهم من قال لكم بأنني حزين ؟ .. بالعكس أنا سعيد جدا لأنني مازلت موجودا بينكم ، فلو كنت أرتدي جلبابي لسرقني اللص مع الجلباب !! .
بقلم : عبدالرحيم حشمت عسيري . المحامي
انتشر الفساد في البر والبحر ، وأزكم الأنوف ، ولوث الأجواء .. وما انهيار كوبري سوهاج إلا نقطة في نهر من التردي والتسيب والإهمال الذي جرف أمامه الأحلام والطموحات والآمال ، وأغرق البلاد في الفساد حتى الأعناق ، وجعلها تحتل المرتبة رقم 94 بين الدول الأكثر فسادا على مستوى العالم .. في قائمة ضمت 177 دولة فاسدة تحتل فيها الدولة الأكثر فسادا المركز الأخير ، بينما تحتل الدولة الأقل فسادا المركز الأول .. وفقا لمؤشرات عالمية تعتمد على معايير اقتصادية معترف به دوليا .. حيث يشير هذا التقييم السنوي إلى الدول التي ضرب الفساد الخدمات والمرافق العامة التي تقدمها لشعوبها من حيث جودة الإنشاء ومستوى الإدارة والأداء .
تقع مسئولية جريمة انهيار كوبري سوهاج على عاتق كل من صمم ونفذ وتابع وراقب واستلم واعتمد وهي وصمة عار على جبين هذه الحكومة وجميع الحكومات التي سبقتها .. إذ تعتبر بلا أدنى مبالغة لقطة صغيرة في مشهد دولة عظيمة شاءت الأقدار أن يتحول فيها الفساد على مدى عشرات السنين في ظل غياب المكاشفة والمحاسبة إلى مجرد عادة يمارسها الفاسدون الكبار في وضح النهار ، ويوزعون أدوارها فيما بينهم ، ويقسمون مغانمها بدم بارد .. كما لو كانت مصر لقيطة ليس لها صاحب ، أو تركة خلفها لهم آبائهم ، أو مكافأة منحها لهم النظام .. ثم وهذا هو الأهم كيف تطمئن رؤس الأموال الوطنية ، وكيف تتدفق رؤس الأموال الأجنبية للإستثمار في دولة أصابها الفساد من شعر رأسها حتى أخمص قدميها ؟ .
إن حالة الفساد التي اكتنفت جريمة انهيار كوبري سوهاج .. ليست الأولى من نوعها ، ولن تكون الأخيرة ، خاصة وأن سبب الانهيار كما قال أحد المسئولين الكبار (نسيوا يدقوا الخوازيق) وهذا ليس له أي تفسير سوى الرغبة في ضغط بنود التكاليف ، بهدف رفع سقف هامش النهب والهبش والتهليب فالصعيد كما هو معروف - وخصوصا محافظة سوهاج - قتله التهميش ، ونهشه الفساد ، وقضى على أحلامه الحكام ، وحرموه من أبسط حقوقه الإنسانية منذ عصر المماليك وحتى الآن .. ويكفي أن نعلم أن الحكومة لم تستأنف العمل في استكمال الطريق الذي يشمل (الكوبري المنهار) .. إلا بعد وقوع كارثة غرق 14 طالبة جامعية العام الماضي .
محاربة التردي والإهمال والتسيب والفساد ، وفرض سياسة تقشفية شاملة على الوزارات لا تحتاج إلى تفويض أو مطالبة أو تكليف أو مناشدة .. بل ينقصها إرادة سياسية حرة مستقلة ، وقيادة وطنية قادرة على القضاء على الفساد ، عازمة على قطع رؤوس الفاسدين والخونة والمتآمرين بموجب قوانين ، ولوائح ، وقرارات سيادية صارمة كافية لتطهير جميع المؤسسات الحكومية من جيوب المتربصين من اللصوص والمنحرفين أعداء الوطن وأعداء الدين .. وإلا ظللنا أبد الدهر في أماكننا ، نلف وندور حول أنفسنا في دائرة ضيقة مفرغة لا نعرف أولها من آخرها .. مصر في ظل هذه الأزمة الاقتصادية الطاحنة في أمس الحاجة إلى إرادة سياسية مستقلة .. للقضاء على الفساد ، وفرض سياسة تقشفية على الهيئات العامة والوزارات ، وإيقاف جميع صور الإنفاق على كافة مظاهر البزخ الحكومي الكذاب الذي يعتبر من أبشع صنوف الفساد المستفزة لمشاعر شعب معظمه لا يجد قوت يومه .
من حق هذا الشعب بعد ثورتين شعبيتين أن يرى على أرض الواقع شيئين لم يراهما من قبل على مدى تاريخه كله ألا وهما : العدالة والمساءلة فمن حقه أن يرى تطبيقا حقيقيا للعدالة بجميع أنواعها وأشكالها ومفاهيمها ، وخصوصا العدالة الاجتماعية التي تمس الحياة اليومية للغالبية الساحقة المسحوقة التي تحب الرئيس السيسي ، وتهتف باسمه ، وتؤيد قراراته فهي سنده ، وظهيره ، وساعده ، وشعبيته ، ونصيره .. تقف معه عن يمينه وعن يساره ومن خلفه وأمامه اليوم وغدا وإلى آخر يوم في حياته .
أما المساءلة القانونية فيبدو أنها أمنية شعبية مستحيلة .. خاصة بعد تصالح الدولة مع الفاسدين واللصوص من الوزراء ، وكبار المسئولين ، ورجال الأعمال ، ووزير الداخلية الأسبق ، وقياداته الأمنية في عهد الغطرسة والفساد والتوريث والقرطسة والاستبداد .. نعم تصالحت الدولة مع هذه العصابة نظير استرداد جزء يسير .. مما نهبوه من المال العام على مدى عشرات السنين .. ولا أدري كيف لدولة قانون تقبل التصالح مع من قتلوا العباد ، وخانوا القسم ، ونهبوا ثروات البلاد ؟ .. ألا يشجع هذا التصالح المريب ضعاف النفوس من المسئولين الحاليين واللاحقين على نهب ثروات البلاد من جديد ؟ .. خاصة وأن عقوبة نهب المال العام حسب هذه التجربة المخزية لا تزيد بأي حال من الأحوال عن سنة سجن يقضيها الحرامي في ممارسة الرياضة في (برتو طره) ، أما طعامه فمن أفخم مطاعم وفنادق القاهرة ، وبعد الإفراج عنه يتصالح مع الدولة ، بعدما يدفع لها الفتات مقابل الإفلات بالمليارات ، ثم من حقه بعد ذلك أن يترشح للبرلمان ، ويرفع شعار الطهارة والإيمان ، ويعطي لأبناء هذا الشعب دروسا مستفيضة في الأخلاق والورع والأدب ، ويدعوهم إلى إعلاء مبدأ المواطنة ، ويشرح لهم قيم الاستقامة والأمانة ، ويتهم شباب الثورة بالخيانة والعمالة ، ويعلن في كل مناسبة وبلا مناسبة أن ثورة 25 يناير مؤامرة على الدولة .. وسلم لي على شباب الثورة ، وبالمرة صبح لي على هيبة الدولة ، أما القانون فكرامة الميت دفنه بأقصى سرعة ممكنة .
لا يختلف عاقلان على وجه الأرض على أن الرئيس الأسبق المخلوع ، وأبنائه ، وحاشيته ، وأعوانه ، وأركان حكمه ، وفلوله من اللصوص والقتلة والمجرمين والبلطجية والفاسدين والخونة اغتصبوا حقوق هذا الشعب المغلوب على أمره ، ودمروا مستقبله ، وقتلوا أبنائه ، وقضوا على أحلامه ، ونهبوا خيرات بلاده ، وسرقوا هدومه وتركوه عريان .. ثم بعد ذلك كله تأتي هذه الحكومة الميمونة فتتصالح مع السارق وتفرض سياسة تقشفية على المسروق !! .. وكأن لسان حالها يقول يجب على هذا الشعب بعد ذلك كله .. أن يحمد ربه ، ويشكر فضله ، لأننا نحكمه .. وهنا تحضرني نادرة من نوادر جحا .. حيث يحكى أن جحا قام ذات يوم بغسل جلبابه الذي لا يملك من حطام الدنيا غيره ، ونشره على غصن شجرة على قارعة الطريق ، وما أن غفى في ظلها حتى استيقظ ليكتشف أن يدا آثمة امتدت إلي جلبابه وهو عنه من الغافلين ، فعاد جحا إلى بيته بخفي حنين ، وعلامات الغضب ظاهرة تماما على وجهه ، ولما علم جيرانه وأصدقاؤه وأقاربه بما جد في أمره ، جاءوا تباعا لمواساته ، فقال لهم من قال لكم بأنني حزين ؟ .. بالعكس أنا سعيد جدا لأنني مازلت موجودا بينكم ، فلو كنت أرتدي جلبابي لسرقني اللص مع الجلباب !! .
ليست هناك تعليقات