أحدث المواضيع

التى لا أعرف اسمها_ قصة/ سامى عبد الستار مسلم


التى لا أعرف اسمها

 
مصر
ضرب الليل بعصاه رأس المكان؛ فشعرتُ بإرهاق وصداع. لم أكن لوقتها قد شَبعتُ من النت. أرخيتُ ظهري إلي الوراء، ومضيتُ أبحث عنها من خلال فتحات الأكشاك الصغيرة. 
أتاني صوتها من زاوية بعيدة، بدا كأنها قريبة؛ يعلو متشبعاً بفخر، وطويل كأنما تهدلهُ ريشة، يهدأ فجأة..، ويسرع في نبرة متوسطة.
لو كنتُ مكانها لأغلقتُ الجهاز في وجه الغبي القابع أمام شاشته. أما كفاه مماطلة، وجدال، وشكوى ؟! إني أرهقتُ نيابةً عنها. ، ومع أن صوتها يبتعد شيئاً فشيئاً، إلا أنها تكمل معه الحديث. بإنجليزية رائعة.
لم ينفع ميل رأسي في العثور عليها، بينما راحت الكلمات تهتز أمامي في الشاشة؛ حتى أسدلتُ رأسي، ناظراً في أزرار التشغيل.
لمتُ نفسي إذ لم أسألها عن اسمها وقت أن غيرتْ لي لوحة المفاتيح المعطلة، وأتت بسماعات رأس أكثر جودة...،
ولم أنتبه حين تحدث معها من بجواري أثناء مساعدتها له في كتابة رسالة...، ولا في عشرات المرات التي كان يستدعيها فيها صاحب العمل من الطابق الأرضي؛ فتقذف صيحة تشق الهواء وهى تجرى إلي السلم
أجل كان يجب أن أنتبه!
مضت تتحدث بآلية؛ حتى انقطع صوتها برنة "اوك" كالخروج من الوندوز. لمحتُ قدميها الدقيقتين وهي تمضى في حذر بحذائها الرخيص وسط الكابلات؛ حتى ظهَرتْ أمام جهازي بشعرها الأسمر الدومياوى، ووجهها القافز من فيلم كرتوني. لا مبالغة فيه؛ كأنما رسمه طفل شبه محترف.
- نسكافيه بلاك بليز.
سألتني عن السكر، وشكل الكوب، والطريقة التي سيصنع بها.
أجبتها وأنا أنظر لقامتها القصيرة بغرابة؛ حتى راودتني فكرة أن أقف فجأة؛ لكني استحييتُ مما ستكون عليه النتيجة، بينما راحت تنظر في أصابعها، ثم انصرفتْ.
لماذا لم تغن وهي ماضية، وتتحسس شعر رأسها، أو تدعى انكماش ياقة بلوزتها؛ فتهم برفع رأسها وهى تعدلها؛ والحق أنها ستكون تنعش نهديها فينهضان كبلبلين يستعدان للغناء . ولماذا إذا انتهت من شيء فَعَلَته وقفتْ في أول المكان مستندة إلي الحائط كمقشة دون حركة.
ظل عامود الهواء الذي خلفَته وراءها قائماً، وفارعاً إلا من تطاير شيء من حرارة الأجهزة. لم يرتعش في أنفي عطر كالذي يجابهني في المولات التجارية أمام البائعات الهنديات، وفى أعمدة الهواء الطويلة - في بعض الشركات - أمام السكرتيرات الروسيات.
لم أبال بنحت ودقة الساقين؛ ورفعتُ على فوري الكوب.
كان حلقي ورأسي يوقعان درجات امتحان لكل ما أجبتُها عنه؛ حتى أعطياها الدرجة النهائية.
وضعتُه فارغاً بجوار لوحة المفاتيح؛ فتخلي ظهرها عن الحائط وتقدمتْ نحوه. شكرتُ حسن أدائها، وأظهرتُ ورقة فئة الخمسة دراهم. تحركتْ قدماها؛ كأنها ستأخذها بهما، ثم استقرت الورقة بين أناملها.
انغمستْ يدها في جيبها، أخرجتها بشخشخة معدنية؛ رفضتُ بإشارة من وجهي؛ وأخبرتها أن كل الورقة لها؛ فاستحالت حركة قدميها إلى رقصة سلو مضطربة . أعادت يدها إلي بنطالها، وظلت واقفة، وأصابعها من الداخل تصنع ثنايا على وجه الجيب.
التفتُ للشاشة؛ ورحتُ أجرى محادثات على الماسنجر، انتبهتُ لصوتها وهى تسألني عما إن كنت أود طلب شيء قبل مغادرتها؛ فشكرتها...
- غداً سأطلب منكِ.
سكب رأسها الشعر على كتفها الأيمن وهى تقول:
- أنا أعمل في أي مكان ليوم واحد.
- لكنى أراكي كثيراً هنا !!
نهض شعرها ثانيةً:
- لستُ أنا.
ثم استأذنتني وهى تدير وجهها ناحية السلم، ومضت إليه ويدها لا تزال ترسم ثنايا على وجه الجيب.

ليست هناك تعليقات