أحدث المواضيع

رحلة مع شعر محمد القيسي البنية الدراميّة


رحلة مع شعر محمد القيسي (8)
البنية الدراميّة
رابعاً ـ اللقطة السينمائيّة والمونتاج:
استفاد الشعر الحديث من التقنيات السينمائيّة كاللقطة والمونتاج، حيث يتم التقاط مجموعة من اللقطات السينمائيّة وترتيبها لتشكل صورة لرؤية الشاعر وإن كانت متباعدة، " هذه المجموعة من الصور غير المترابطة يكون حشدها بهدف انطباع عام أو تصوير موقف للتعبير عن أحوال مضطربة معيّنة "ففي قصيدة (ذات مساء في جربة)، ينفتح المشهد داخل مكان ما لم يحدده الشاعر عن المغني:
المغني وحيداً يغني 
والمغني وحيد
يذهب العازفون بعيداً
ويبقى يعيدْ
والمغني أنا
وأنا لا أريد
غير يوم قصير،
وأفق يطلُّ على بيت أمي جديد. [ ص44ج2ط1]
إذن، كان المغني وحيداً يغني، توقف عن الغناء بينما يذهب العازفون بعيداً، لنكتشف أن المغني هو الشاعر نفسه ولا يريد إلا يوم قصير وأفق يطلُّ على بيت أمه، فما نوع الغناء الذي كان يغنيه؟ ومن هم العازفون الذين ابتعدوا عن القيسي وتركوه وحيداً؟ في نهاية هذه اللقطة قطع/ مونتاج، فينفتح المشهد الثاني( خارجي / مساءً ) عن مطر يسحُّ خفيفاً، لا يشبه المطر أثقل روح المغني الشاعر:
مطر موحش في الظلال
يغطي سطوحي
مطرٌ لا أراه يبللني. [ ص45ج2ط1]
يعود في اللقطة الثالثة إلى المشهد الأول يستعيد قوائم الشهداء، وفي اللقطة الرابعة يقول:
يذهب الراقصون إلى نومهم
يذهب العازفون إلى حلمهم
والمغني يعيدْ
المغني وحيدْ
هذه اللقطات السينمائيّة والمونتاج منحت القصيدة حركة دراميّة عبّر فيها الشاعر عن رؤيته وعزلته بعد أن ذهب الراقصون والعازفون وبقي المغني وحيداً يعيد.
وفي قصيدة ( مرور صباحي ص622ج2ط1) وقف الشاعر صباحاً يلتقط الصور السينمائية بدقة لحركة الشارع فيقول:
مرّ باص الصباح
عربات البريد
السعاة
التلاميذ مرّوا
ومرّ الصبي، وفتاة البناية
...............
..............
عاملات التريكو الحزينات،
مرّ بنات المقاهي
مرّ الجميع إلى كل شيء ولمّا أزل واقفاً
الصباح هنا نفسه مر ..
مثل مرور الصباحات في كل يومٍ
وأنّت على باب قلبي الرياحَ مرّ هذا الصباح. [ ص622ج2ط1]
هذه اللقطات السينمائية مع تكرار فعل ( المرور) جاءت لتكشف عن الحركة الصباحيّة وكثافتها في شارع من شوارع لندن، موحيةً بالنشاط والحيويّة، في ذات الوقت يعيش الشاعر غربته فأنّت على باب قلبه رياح الحنين.

ليست هناك تعليقات