قصة قصيرة - حبة مطر = بقلم علي الشافعي -- تحياتى جدو عبدو
حبة مطر بقلم علي الشافعي
على مقبض الباب وضع يدا ارعشها الزمن , فتح الباب بهدوء
وخطا خطوتين متثاقلتين نحو الخارج , يتكئ على عصا
متهالكة , تساعد رجلين ترتجفان من وجع السنين , اغلق
الباب بهدوء كي لا يوقظ العائلة , وهو يقول : اصبحنا واصبح
الملك لله . اخذ يرقب حبات المطر النديّة وهي توشوش
اورق الشجر , وتلامس الارض برقة وحنان , وتحجب
الشمس التي اشرقت قيل لحظات . تعبت رجلاه فجلس
على دِكّة امام البيت , ملتحفا بردة اختفت معالمها من تتابع
الايام . رفع نظره الى السماء فسقطت حبّتا مطر في
محجري عينيه , تمتم : وحتى انت يا مطر , الا يكفي ما
يستقبلان من العينين . صوب نظره جهة الغرب وتمتم : متى
يا رب ؟ لقد طال الزمان , وحم الشوق غيض الصبر . لا ابغي
سوى ان ادفن هناك , طأطأ الراس واغمض جفنيه , فذهب
به الفكر, فشرق وغرّب , وقف هناك , حيث ملعب الطفولة
ومدرج الصبا والشباب , تذكر موسم الحصاد , ودرْس الغلة ,
ابتسم وهو يرى نفسه يافعا فوق لوح الدراس الذي يجره
الحصان ؛ لتكسير القش واخراج الحب من سَّنابله , ثم
فصله عن القش وجمع الغلة وتخزينها , وكذلك مواسم
الزيت والزيتون والمعصرة وتلال الجفت ( مخلفات عصر
الزيتون , تستخدم عادة للتدفئة) , وصعود الجبال ونزولها
لجمع الزعتر البري والميرمية والكمأة في موسمها . تهللت
اساريره
عندما مرت على خاطره ذكري اختيار الاهل ل(ام العيال) ,
ثم الخِطبة , والعرس الذي تحدث عنه القاصي والداني اياما
طويلة . تذكر الفرحة الكبرى التي عمّت البيت الكبير بقدوم
الحفيد الاول للعائلة , و .... اكفهرّ وجهه وغاصت الابتسامة
وهو يتذكر النكبة , سقوط البلدة في ايدي اليهود المحتلين
عام 48, دمعت عيناه وهو يتذكر الحرائق التي شبت في كل
ركن من اركان القرية جراء القصف العشوائي , حيث احرق
الاخضر واليابس , دمروا البيوت , وقتلوا عددا من شبابها
على اعين الناس , وتشرد الباقون , تذكر من الشهداء ابن
ابو العيد ؛الذي اصابته قذيفة فقصت راسه , ومشى قرابة
خمسين مترا بدون راس , ومحمد الدايخ وحسين ابن ام
امبارك وغيرهم رصّتهُم قوات الاحتلال على سور المدرسة
وقتلتهم بدم بارد . دمعت عيناه وهو يتذكر رحلة العذاب الى
حيث استقر به المطاف , بعد ان القى عصا الترحال في احد
مخيمات الشتات . ثم معاناة البحث عن لقمة العيش ,
والامل بالعودة الذي اخذ يتلاشى شيئا فشيئا بعد نكسة
عام 1967 , ثم تجدده ابان مفاوضات السلام ثم تلاشى اثر
تعثرها , اه على يوم من تلك الايام لا اطمع في المزيد و...
تنبه على صوت حفيده يهزه : (سيدو اصْحَ , انت غرقان ) .
طبتم وطابت اوقاتكم .
ليست هناك تعليقات