بقلم/// محمد القيسي ******* رحلة مع شعر محمد القيسي (7) البنية الدراميّة
رحلة مع شعر محمد القيسي (7)
البنية الدراميّة
ثالثاً ـ الأسلوب القصصي:
شاع الأسلوب القصصي في الشعر القديم، فقد ظهر بوضوح في معلقة امرئ القيس وشعر عمر
بن أبي ربيعة والحطيئة وغيرهم، دون أن يكون هدفهم بناء قصة شعريّة.
كما شاع في الشعر الحديث، ونادراً ما نجد شاعراً تخلو دواوينه الشعريّة من الأسلوب القصصي، إلا أن قلة منهم أتقنوا هذا الأسلوب ولم يغلّبوا تقنيات القص على الشعر، فتقرأ لهم شعراً فيه روح القصّة. " فالقصة حين تستخدم في القصيدة أنما تستخدم على أنها وسيلة تعبيريّة دراميّة، لا على أنها قصة لها طرافتها وأهميّتها في ذاتها"*1. *1 عز الدين إسماعيل، مرجع سابق، ص300
ومحمد القيسي من الشعراء الذين يمتازون بتوظيف الأسلوب القصصي في القصيدة دون أن يدخل المتلقي في متاهة هل يقرأ قصة أم يقرأ شعراً. فجاءت قصيدة (سيناريو الطلق والطلقة) محمّلة بتقنيات القصة القصيرة من سرد وحوار وشخوص ووصف مكثّف، تعتمد على الفاعليّة الدراميّة ذات الحس الشعري:
حين أتاها الطلق، وحين أتته الطلقة
كانت تبحث عن اسم، كان يقول الأخضر
ـ أتريد صبيّاً
ه ونسميه الأخضر يا مريم
ضحكا...
كان الطقس جميلاً، فدعاها للنزهة،
مشيا نحو الباب، أشار بإصبعه، نحو الخارطة وهمهم:
ه هذا بيت الأخضر
فاقتربت بحنان منه
مالت سنبلة في الحقل
شبّب راعِ، رفرف عصفور بجناحيه وطار
صارا خلف الباب، وقبّلها بفرح، وابتدأ القصف،
ثنى قامته نحو الداخل، أين يخبّئها،
ابتدأ القصف، يخبّئها، أين يخبّئها، صرخت
والبيت تهدم
صرخت مريم
خرجت للشارع، خرجت لترى وحدتها
وتلمُّ عباءتها
وتنادي الأخضر. [ ص443ج1ط2]
ابتعد القيسي في هذه القصيدة القصة عن التفاصيل السرديّة المملّة موظفاً الحوار في لغة مكثّفة، معلناً المصير المأساوي لأبطال القصة منذ البداية، وما بين السرد والحوار ينمو الحدث بصورة طبيعيّة ليصل إلى نهاية القصة نهاية مفتوحة.
وفي قصة قصيدة ( مأساة الصبي الأعرج )، أدار الشاعر حواراً من طرف واحد هو الصبي بطل القصة وصمت المتلقي، صوّر فيها الشاعر الحالة الاجتماعيّة لأسرة تعاني العسر الشديد:
سيدتي باع أبي فرشته الصوف
وربابته المحفوظة من عهد صباه
ثمناً لحليب حفيده
فلقد ماتت يا سيدتي الأم
إثر نزيف دام طويلاً، عذّبها
ما اسطعنا أن نحضر أي طبيب يُبعد عنها الداءْ. [ ص54ج1ط2]
أما قصيدة( أيتها الغربة وداعاً ) فقد ظهر فيها السرد مبتدأ بكان التي تحيلنا إلى فن الحكاية، فيسرد لنا حكاية صديقه خالد ومعاناته في الغربة معتمداً على رسم الملامح الشخصيّة للبطل من خلال عنايته بالسرد الوصفي:
كان صديقي خالد
ممتلئا بالحب
كان رقيقاً وعنيفاً كالنسمة والإعصار
كان معي في هذا البلد يكابد غربته ،
مرتقباً سيل النار
مسكوناً بالفعل الحي الصامت. [ ص125ج1ط2]
تتضح في هذه القصيدة البنية الروائيّة، فالشاعر يسرد كالراوي تماماً وفي الوقت نفسه يحرص على الشعرية، والنزعة الدراميّة التي ظهرت من خلال السر والصراع والحوار الداخلي والخارجي والتداعي:
كان تراب الوطن العربي
ما زال طريّاً أخضر
والجثث المقتولة في سيناء وغزة والجولان
ينهشها الطير ولم تدفن. [ ص130ج1ط2]