هو عبد الله بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي القرشي التميمي، كنيته: أبو بكر، ولقبه الصِّدِّيق، وكنية أبيه أبو قحافة.
كان أبو بكر رضي الله عنه يسمَّى أيضًا: عتيقًا، وقيل إن سبب هذه التسمية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: "أنت عتيق من النار". وقيل: إنه سُمِّي كذلك لحسن وجهه وجماله، ولقب بالصديق لتصديقه بكل ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، وخاصة تصديقه لحديث الإسراء وقد أنكرته قريش كلها. وأبو بكر الصديق أفضل الأمة مكانة ومنزلة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو أول من أسلم من الرجال، وهو رفيق الرسول في هجرته، وخليفته على المسلمين.
هجرة أبي بكر الصديق:
لما أذن الله عز وجل لنبيه بالهجرة إلى المدينة, أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يهاجروا، وجعل أبو بكر يستأذنه في الهجرة والنبي صلى الله عليه وسلم يمهله ويقول له: "لا تعجل، لعل الله يجعل لك صاحبًا". حتى نزل جبريل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره أن قريشًا قد خططت لقتله، وأمره ألا يبيت ليلته بمكة وأن يخرج منها مهاجرًا، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وفتيان قريش وفرسانها محيطون ببيته ينتظرون خروجه ليقتلوه، ولكن الله أخذ أبصارهم فلم يروه، وتناول النبي حفنة من التراب فنثرها على رءوسهم وهم لا يشعرون، وذهب إلى بيت أبي بكر وكان نائمًا فأيقظه، وأخبره أن الله قد أذن له في الهجرة. تقول عائشة: "لقد رأيت أبا بكر عندها يبكي من الفرح"، ثم خرجا فاختفيا في غار ثور، واجتهد المشركون في طلبهما حتى شارفوا الغار، وقال أبو بكر: لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟!".
وأقاما في الغار ثلاثة أيام ثم انطلقا، وكان أبو بكر أعرف بالطريق، وكان الناس يلقونهما فيسألون أبا بكر عن رفيقه فيقول: "إنه رجل يهديني الطريق"، وبينما هما في طريقهما إذ أدركهما سراقة بن مالك، وكان قد طمع في النياق المائة التي رصدتها قريش لمن يأتيها بمحمد، ولما اقترب سراقة رآه أبو بكر فقال: يا رسول الله هذا الطلب قد لحقنا، ودنا سراقة حتى ما كان بينه وبينهما إلا مقدار رمح أو رمحين فكرر أبو بكر مقولته على النبي صلى الله عليه وسلم وبكى، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "لِمَ تبكي؟". فقال أبو بكر: "يا رسول الله، والله ما على نفسي أبكي ولكني أبكي عليك".
فدعا النبي صلى الله عليه وسلم وقال: "اللهم اكفناه بما شئت". فساخت قوائم الفرس ووقع سراقة وقال: "يا محمد، إن هذا عملك، فادع الله أن ينجيني مما أنا فيه، فوالله لأعمّينَّ على مَن ورائي". فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم إلى طلبه، ودعاه إلى الإسلام ووعده إن أسلم بسواري كسرى.
واستمرا في طريقهما حتى بلغا المدينة، واستقبل الصحابة مهاجرين وأنصار رسول الله وصاحبه بسرورٍ وفرحٍ عظيمين، وانطلق الغلمان والجواري ينشدون الأنشودة الشهيرة: طلع البدر علينا من ثنيات الوداع...
اضطهاد أبي بكر الصديق:
كان أبو بكر ذا مكانة ومنعة في قريش، فلم ينله من أذاهم ما نال المستضعفين، ولكن ذلك لم يمنع أبا بكر من أن يأخذ حظه وقسطه من الأذى، فقد دخل النبي صلى الله عليه وسلم الكعبة واجتمع المشركون عليه وسألوه عن آلهتهم وهو لا يكذب، فأخبرهم فاجتمعوا عليه يضربونه، وجاء الصريخ أبا بكر يقول له: أدرك صاحبك فأسرع أبو بكر إليه وجعل يخلصه من أيديهم وهو يقول: "ويلكم! أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله". فتركوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعلوا يضربونه حتى حمل أبا بكر أهل بيته وقد غابت ملامحه من شدة الأذى.
أعمال أبي بكر الصديق
لأبي بكر الصديق رضي الله عنه مواقف وأعمال عظيمة في نصرة الإسلام، منها:
- إنفاقه كثيرًا من أمواله في سبيل الله؛ ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما نفعني مال قط مثلما نفعني مال أبي بكر". فبكى أبو بكر وقال: "وهل أنا ومالي إلا لك يا رسول الله"[1]. وقد أعتق أبو بكر من ماله الخاص سبعة من العبيد أسلموا وكانوا يعذبون بسبب إسلامهم منهم بلال بن رباح وعامر بن فهيرة.
- عندما مرض النبي صلى الله عليه وسلم قال لمن حوله: "مروا أبا بكر فليصل بالناس". فقالت عائشة: يا رسول الله، لو أمرت غيره. فقال: "لا ينبغي لقوم فيهم أبو بكر أن يؤمهم غيره". وقال عليّ بن أبي طالب: "قدّم رسول الله أبا بكر فصلى بالناس، وإني لشاهد غير غائب، وإني لصحيح غير مريض، ولو شاء أن يقدمني لقدمني، فرضينا لدنيانا من رضيه الله ورسوله لديننا".
- عندما قبض النبي صلى الله عليه وسلم فتن الناس حتى إن عمر بن الخطاب قال: "إن رسول الله لم يمت ولا يتكلم أحد بهذا إلا ضربته بسيفي هذا"، فدخل أبو بكر وسمع مقالة عمر فوقف وقال قولته الشهيرة: "أيها الناس، من كان يعبد محمدًا فإن محمدًا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حيّ لا يموت...".
- بعد مبايعة أبي بكر بالخلافة أصر على إنفاذ جيش أسامة الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم قد جهّزه وولّى عليه أسامة بن زيد، وكان فريق من الصحابة منهم عمر قد ذهبوا لأبي بكر وقالوا له: إن العرب قد انتفضت عليك، فلا تفرق المسلمين عنك. فقال: "والذي نفسي بيده لو علمت أن السباع تأكلني بهذه القرية لأنفذت هذا البعث الذي أمر الرسول بإنفاذه، ولا أحلّ لواءً عقده رسول الله بيده". واتخذ الجيش سبيله إلى الشام تحت إمرة أسامة.
- واجه أبو بكر في بدء خلافته محنة كبرى تمثلت في ردة كثير من قبائل العرب عن الإسلام بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، ومنعت بعض القبائل زكاة أموالها، وأمام هذه الردة جهز أبو بكر الجيش، وقرّر حرب المرتدين جميعًا، واعتزم أن يخرج بنفسه على قيادة الجيش غير أن علي بن أبي طالب لقيه وقد تجهز للخروج فقال له: "إلى أين يا خليفة رسول الله؟ ضم سيفك ولا تفجعنا بنفسك، فوالله لئن أصبنا بك ما يكون للإسلام بعدك نظام أبدًا".
فرجع أبو بكر، وولّى خالدًا على الجيش، وسار خالد فقضى على ردة طليحة الأسديّ ومن معه من بني أسد وفزارة، ثم توجه إلى اليمامة لحرب مسيلمة بن خسر ومن معه من بني حنيفة، وكان يوم اليمامة يومًا خالدًا، كتب الله فيه النصر لدينه وقتل مسيلمة وتفرق جنوده ومضى المسلمون يخمدون نار الفتنة والردة حتى أطفأها الله تعالى، ثم استمر جيش خالد في زحفه حتى حقق نصرًا عظيمًا على الروم في معركة اليرموك.
- لما أحس أبو بكر بقرب أجله شاور بعض كبار الصحابة سرًّا في أن يولي عمر بن الخطاب الخلافة من بعده فرحبوا جميعًا، غير أن بعضهم اعترض على غلظة عمر، فقال أبو بكر: "نعم الوالي عمر! أما إنه لا يقوى عليهم غيره، وما هو بخير له أن يلي أمر أمة محمد
من أبطال الهجرة.. أبو بكر الصديق
مراجعة بواسطة عبده جمعة مدير تحرير رؤية قلم
في
8:12:00 ص
التقييم: 5
ليست هناك تعليقات