بقلم سميرعبد الرءوف اليات عنوان القصيدة مصر
مِصْرُ الَّتِي بُهِرَ الْوُجُودُ بِفَنِّهَا
مَنْ مِثْلُهَا فِي الْفَنِّ وًالإِبْهَارِ ؟
فَمَكَانُهَا بَيْنَ الشُّعُوبِ يُجِلُّهَا
وَجَلاَلُهَا مُتَكَلِّلٌ بِوَقَارِ
آثارُهَا ، وَفُنُونُهَا ، وَعُلُومُهَا
تَاجٌ يُكَلِّلُ رَأْسَهَا بِفَخَارِ
***
مِصْرُ الَّتِي أَحْبَبْتُهَا وَعَشِقْتُهَا
مَهْدُ الطَّبِيعَةِ ، جَنَّةُ الأَمْصَارِ
النِّيلُ شُرْيَانُ الْحَيَاةِ بِأَرْضِهَا
هِبَةُ الإِلَهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ
وَهَبَ الْحَيَاةَ لأَرْضِهَا فَأَحَالَهَا
حَوْلَ الضِّفَافِ نَضِيرَةَ الأَشْجَارِ
مَنْ يَرْتَوِي مِنْ مَائِهِ حَتْماً يَعُو
دُ لِيَرْتَوِي مِنْ مَائِهِ الْمِعْطَارِ
إِنِّي مَرَرْتُ عَلَى الْوُجُودِ فَلَمْ أَجِدْ
مَاءاً كَمِثْلِ الْمَاءِ فِي الأَنْهَارِ
بُهِرَ الْوَرَى وَتَعَجَّبُوا مِنْ سِحْرِهِ
فَالسِّحْرُ فِيهِ غَايَةُ الإِبْهَارِ
النِّيلُ سِرٌّ لِلْحَيَاةِ ، وَيَا لَهُ
مِنْ سَاحِرٍ ، مُتَمَكِّنٍ ، جَبَّارِ
فَالسَّاحِرُ الْمَسْحُورُ يَبْدُو رَائِعاً
وَقْتَ الْمَغِيبِ ، وَسَاعَةَ الأَسْحَارِ
اللهُ أَعْلَى قَدْرَهُ ، وَأَفَاضَهُ
فِي جَنَّةِ الْفِرْدَوسِ نَهْراً جَارِ
***
قَدْ كَانَ فِي مَهْدِ الْعُصُورِ مُقَدَّساً
وَكَأَنَّهُ رَبُّ الْحَيَاةِ الْبَارِي
النَّاسُ فِي كُلِّ الْبِلادِ تَهَابُهُ
يَتَبَتَّلُونَ إِلَيْهِ بِالأَذْكَارِ
فِي كُلِّ عَامٍ يَحْتَفُونَ بِعُرْسِهِ
وَيُكَلِّلُونَ الْعُرْسَ بِالأَزْهَارِ
وَيُقَدِّمُونَ عَرُوسَهُ فِي مَحْفَلٍ
يَبْدُو عَظِيمَ الشَّأْوِ وَالإِكْبَارِ
يَتَضَرَّعُونَ مَهَابَةً ، وَمَخَافَةً
يَتَوَسَّلُونَ إِلَيْهِ بِالأَعْذَارِ
فَهُوَ الَّذِي يُحْيِي الْحَيَاةً جَمِيعَهَا
وَيَجُودُ بِالنُّعْمَى ، وَبِالأَمْطَارِ
وَهُوَ الْمُهَيْمِنُ فِي الْقُلُوبِ ، وَيَا لَهُ
مِنْ حَاكِمٍ ، مُتَسَلِّطٍ ، خَتَّارِ
***
هَذِي عَرُوسُ النِّيلِ زُفَّتْ لِلرَّدَى
عَبَثَتْ بِغايَتِهَا يَدُ الأَقْدَارِ
عَذْرَاءُ فِي سِنِّ النَّضَارةِ فِتْنَةً
سِيقَتْ كَسَوْقِ الشَّاةِ مِنْ جَزَّارِ
قَدْ زَيَنُوهَا لِلرَّدَى ، وَتَرَنَّمُوا
بِالْحُبِّ ، وَالأَذْكَارِ ، وَالأَشْعَارِ
حَتَّى يَفِيضَ النِّيلُ مِنْ نَعْمَائِهِ
بِالْمَاءِ ، وَالإِخْصَابِ ، وَالإِخْضَارِ
وَكَأَنَّهُ مَهْرُ الْعَرُوسِ يَفِي بِهِ
- مِنْ فَيْضِهِ – بِالشُّحِّ وَالإقْتَارِ
فَالْمَوْتُ مَهْرٌ تَقْتَضِيهِ عَرُوسُهُ
تَسْمُو بِهِ فَخْراً عَلَى الأَبْكَارِ
تَفْدِي الْحَيَاةَ بِرُوحِهَا ، وَشَبَابِهَا
فِي غَايَةِ الإِقْدَامِ وَالإِيثَارِ
***
هَذِي طُقُوسٌ قَدْ تَوَلَّى أَمْرَهَا
وَأَجَبَّهَا الإِسْلاَمُ بِالإِنْكَارِ
فَقَضَى علَيْهَا فِي قُلُوبٍ آمَنَتْ
بِاللهِ – فِي يُسْرٍ - بِلا إِجْبَارِ
حَتَّى إِذَا جَاءَ الْجَفَافُ بِجَدْبِهِ
وَبِقَحْطِهِ الْمُسْتَوْحِشِ الْغَدَّارِ
لاَ الْغَيْثُ سَالَ ، وَلاَ دُمُوعُ حَنَانهِ
فَوْقَ الْجِبَالِ – تَقَطَّرَتْ – أَوْ دَارِ
قَدْ كَفَّ نَهْرُ النِّيلِ عَنْ فَيَضَانِهِ
وَتَضَرَّع الرُّعْيَانُ لِلأَمْطَارِ
فَزِعَتْ قُلُوبُ النَّاسِ، وَاسْتَاءَ الْوَرَى
إِذْ جَفَّتْ الأَثْدَاءُ كَالآَبَارِ
فَالنِّيلُ يَبْخَلُ ، وَالضُّرُوعُ تَعَطَّشَتْ
لِلْمَاءِ ، حَتَّى صُفْرَةِ الأَشْجَارِ
كَتَبَ الْخَلِيفَةُ لِلْمَهِيبِ رِسَالةٌ
فِي طَيِّهَا سِرٌّ مِنَ الأَسْرَارِ
(إِنْ كَانَ فَيْضُكَ عَنْ هَوَاكَ فَلا تفِضْ
أَوْ فِضْ بِأَمْرِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ)
أَلْقَى الرِّسَالةَ فِي الْمِيَاهِ ، وَسَاقَهَا
لِلنِّيلِ يَأْمُلُ فِي عَطَاءِ الْبَارِي
فَتَدَفَّقَتْ أَمْوَاهُهُ ، وَتَلاطَمَتْ
أَمْوَاجُهُ ، طَوْعاً بِلا اسْتِكْبَارِ
سُبْحَانَ مَنْ يُحْيِي الْحَيَاةً بِأَمْرِهِ
وَيَجُودُ بِالْخَيْرَاتِ وَالأَمْطَارِ
***
يَا مِصْرُ كَمْ أَلْهَمْتِنِي ، وَوَهَبْتِنِي
مِنْ تِيهِ حُسْنِكِ أَبْدَعَ الأَفْكَارِ
فَنَظَمْتُ مِنْ وَلَهِي وَطِيبِ مَشَاعِرِي
وَمِنَ الْفُنُونِ رَوَائِعَ الأَشْعَارِ
وَجَعَلْتُ مِنْ حُسْنِ الطَّبِيعةِ مَسْكَنِي
وَنَسَجْتُ مِنْ فِتَنِ الْجَمَالِ إِزَارِي
***
يَا مِصْرُ قَدْ أَلْهَبْتِنِي ، وَوَهَبْتِنِي
مِنْ نُورِ حُبِّكِ أَعْظَمَ الأَنْوَارِ
فَالْحُبُّ يُشْرِقُ فِي الْفُؤَادِ يُنِيرُهُ
وَيُضِيءُ نَفْسِي فِي الظَّلاَمِ السَّارِي
يَا مِصْرُ أَنْتِ الحُبُّ وَالنَّجْوَى مَعاً
أَنْتِ الْحَيَاةُ ، وَجَنَّتِي ، وَشِعَارِي
يَا مِصرُ أَنْتِ بِدَايَتِي وَنِهَايَتِي
أَنْتِ الْحَنِينُ ، وَرَنَّةُ الأَوْتَارِ
أَنْتِ الْفُؤَادُ ، وَفِيهِ تَكْمُنُ غَايَتِي
أَنْتِ النَّسِيمُ لِزَوْرَقِي وَفَنَارِي
لَكِ مَا حَييتُ -عَلَى الدَّوَامِ- حَبِيبَتِي
حُبًّا يُذِيبُ الْقَلْبَ فِي الأَشْعَارِ
ليست هناك تعليقات