( جَحِيـمُ الـوَسَــاوِسْ!!) بقلم:أحمـد عـفـيـفـى
وخزاتٌ مُتتاليةٌ بقلبه,تحفِّزهُ, يشرئب, يُمعنُ في الأفق,فى المجهول, يسخرُ من الوهم المسمّى بالثقة!..
بَدتْ السماءُ ساكنةً, تعلقُ بخيمتها عدّةُ براعمٍ قليلة من النجوم..سحب
شهيقاً وطرده بعنف..فاحت رائحة الوساوس, بَدتْ سطوةُ الشك أشدُّ فتكاً من
الكوابيس التي تغزو أحلامه:(تُقسمُ أنه رسولٌ من طرف أخيها المغترب
فى-الخليج-), لماذا -دائما- يأتي في نفس الموعد,وفى غيابى؟..إعتدل أمام
عجلة القيادة, أطلق العنان للإطارات الأربعة..لمح شيطانه يقترب, يتضخم ,
يملأ مساحة الزجاج الأمامى لسيارته, يحجب الرؤية , لم يجد بُـداً من
الإنصات له:(لا تخش شيئاً, أُنظر فى عينيها, أمعِن النظر, أُكتُم زفيرك
وغضبك, صوِّب شرر عينيك بدقةٍ بين حاحبييها, تذكَّر , بين حاجبيها تماماً ,
ليشُجَّ وجهها نـصفين, ثم استدِر ,وابصُق فى وجه الريح!)..
مسح صحون
الشوارع, والأزقة, والمنحنيات,تجاوز شريط النهر:( تباً لتلك اللعوب زوجة
صديقه الراحل, لماذا يطارده وجهُها بعد هذا الردح من السنين؟..لم يفطُِن
يومها لرغبتها وإصرارها على السباحة والغوص وحدها,دون زوجها ,حتى انتفض هو
وزوجها فجأةً يرقُبان شاباً ممشوق القوام يلتهمهـا بعينين نهمتين , سرعان
ما اندفع يغوص ويسبح حتى وصل إليها , تشابكا, إلتصقـا, إبتعـدا للداخل صوبَ
المياه الزرقاء..
كان وجه صديقه يتكسّر خجلاً وحُمرةً , حتى عادت
اللعوب تمتطى أطراف موجةِِ إلى الشاطئ , ثم راحت تتبختر وتميس فوق الرمال
الساخنة غير آبههٍ , يَهتزُّ جسدُها الوردى الملفوف , فيثير شياطين الأرض! )
*مازال أُوارُ الغضب مُستعـراً بأُمّ رأسه, وصل إلى أطراف خواءٍ رطبٍ له
رائحةٌ مختلفة, وصوتُ نقيقِِ لم يُفلح فى النيل من السكون الذى غطّى
المكان..بَدتْ أصداءُ ليلٍ مهول تتهافت:(لم تكن سوى امرأةٍ لها وجهٌ جميلٌ,
ولها مداخل عديدة للبطش واللّذة , ولم يكن صديقه مأفوناً حين ترقرقتْ
سريرته بمودّةِِ تحمل الأحلام والأمنيات لحياةِِ هادئةِِ سعيدة..
كانت
قدمه اليمنى لا تزال جاثمةً على بدّال الوقود, رغم دوىِّ الإرتطام الذي
أفقده الإحساس والرؤية , وعجلة القيادة, ترنَّح بالعربة في الجهات الأربع,
لتستقر السيارة فوق سقفها وسط حشدٍ من العربات والسيقـان البشرية الذاهلة
بنهر الطريق!..
أقبل شبحُ الموت مُسرعاً, تهيأت روحه للرحيل..خرج منها
عملاقاً يشبهه, راح يرمقهُ ساخراً ,قبل أن يتركُه ويأخذ طريقاً يعرفه, وقف
أمام منزله , صعد, اخترق شقة جاره -مدرس اللغة الإنجليزية- الذي توفى
بالأمس ,والذي كان دائم الشجار مع زوجته -الحسناء- (تباً للملعون , إنهم في
حداد!)..
كانت الحسناء ترتدي ثوباً أسود قصير ,تتشنّـج باكيةً ,تنسكبُ
دموعها فوق وجنتيها وهى تخطو بين المعزّين بفستانها الأسود المفتوح بسخاءٍ
عند الصدر, وعند الذيل من الخلف, والذى كشف عن كثيرٍ من لحمها الأبيض,
فبدتْ كقطعة قشدةٍ فى طبقٍ أسودٍ يعصفُ بأعين المعزّين النهمة.. ينصرف
المعزون,تخلو الحسناءبنفسها,يُشرق وجهُها,تخلع ثوب الحداد ,وترتدى فستاناً
مزركشاً زاهياً ,تتزينُ, تسمعُ طرقاً مُنغّماً فوق الباب, تفتح , يدخل شابٌ
وسيمٌ يافعٌ, يحتضنها فى شوقٍ ملتهب, يحتدم العناق, والقبلات, تُخبره
بنبرةٍ حالمةٍ رقيقة:إنتهت الغُمّة حبيبى, تعال وقتما شئت!..
يغادر
الشبيه الفضولى باصقاً ضحكاته الشيطانية, فيما هو يبتسمٌ ابتسامةً واسعةً
هادئة , يشعرُ بالسكينة , يُدرك أنّ وساوسه لم تكُ شيئاً قياساً بما شاهد,
تنقشعُ جهامته, تتنصّت إحدى حواسه بصعوبةٍ لهسيسٍ كصافرات الإنذار المتقطعة
, فيما حاسةٌ أخرى تُعافر فى تبيان بعض الظلال المُتداخلة لسيقانٍ نسويّةٍ
متباينةٍ تبرزُ من معاطفٍ غير واضحة اللون, تغدو جيئةً ورواحاً, تلوح من
بين أياديها بعضُ القوارير الشفافة , تتدلى منها خيوطٌ بلاستيكيةٌ دقيقة ,
فيما الشبيهُ الفضولي مازال يتباعد ويتباعد , ويتباعد!! @
****************************** ***
من مجموعتى القصصية= الملكه بـداره=
نشرت فى الاهرام المسائى 2/5/98
وخزاتٌ مُتتاليةٌ بقلبه,تحفِّزهُ, يشرئب, يُمعنُ في الأفق,فى المجهول, يسخرُ من الوهم المسمّى بالثقة!..
بَدتْ السماءُ ساكنةً, تعلقُ بخيمتها عدّةُ براعمٍ قليلة من النجوم..سحب شهيقاً وطرده بعنف..فاحت رائحة الوساوس, بَدتْ سطوةُ الشك أشدُّ فتكاً من الكوابيس التي تغزو أحلامه:(تُقسمُ أنه رسولٌ من طرف أخيها المغترب فى-الخليج-), لماذا -دائما- يأتي في نفس الموعد,وفى غيابى؟..إعتدل أمام عجلة القيادة, أطلق العنان للإطارات الأربعة..لمح شيطانه يقترب, يتضخم , يملأ مساحة الزجاج الأمامى لسيارته, يحجب الرؤية , لم يجد بُـداً من الإنصات له:(لا تخش شيئاً, أُنظر فى عينيها, أمعِن النظر, أُكتُم زفيرك وغضبك, صوِّب شرر عينيك بدقةٍ بين حاحبييها, تذكَّر , بين حاجبيها تماماً , ليشُجَّ وجهها نـصفين, ثم استدِر ,وابصُق فى وجه الريح!)..
مسح صحون الشوارع, والأزقة, والمنحنيات,تجاوز شريط النهر:( تباً لتلك اللعوب زوجة صديقه الراحل, لماذا يطارده وجهُها بعد هذا الردح من السنين؟..لم يفطُِن يومها لرغبتها وإصرارها على السباحة والغوص وحدها,دون زوجها ,حتى انتفض هو وزوجها فجأةً يرقُبان شاباً ممشوق القوام يلتهمهـا بعينين نهمتين , سرعان ما اندفع يغوص ويسبح حتى وصل إليها , تشابكا, إلتصقـا, إبتعـدا للداخل صوبَ المياه الزرقاء..
كان وجه صديقه يتكسّر خجلاً وحُمرةً , حتى عادت اللعوب تمتطى أطراف موجةِِ إلى الشاطئ , ثم راحت تتبختر وتميس فوق الرمال الساخنة غير آبههٍ , يَهتزُّ جسدُها الوردى الملفوف , فيثير شياطين الأرض! )
*مازال أُوارُ الغضب مُستعـراً بأُمّ رأسه, وصل إلى أطراف خواءٍ رطبٍ له رائحةٌ مختلفة, وصوتُ نقيقِِ لم يُفلح فى النيل من السكون الذى غطّى المكان..بَدتْ أصداءُ ليلٍ مهول تتهافت:(لم تكن سوى امرأةٍ لها وجهٌ جميلٌ, ولها مداخل عديدة للبطش واللّذة , ولم يكن صديقه مأفوناً حين ترقرقتْ سريرته بمودّةِِ تحمل الأحلام والأمنيات لحياةِِ هادئةِِ سعيدة..
كانت قدمه اليمنى لا تزال جاثمةً على بدّال الوقود, رغم دوىِّ الإرتطام الذي أفقده الإحساس والرؤية , وعجلة القيادة, ترنَّح بالعربة في الجهات الأربع, لتستقر السيارة فوق سقفها وسط حشدٍ من العربات والسيقـان البشرية الذاهلة بنهر الطريق!..
أقبل شبحُ الموت مُسرعاً, تهيأت روحه للرحيل..خرج منها عملاقاً يشبهه, راح يرمقهُ ساخراً ,قبل أن يتركُه ويأخذ طريقاً يعرفه, وقف أمام منزله , صعد, اخترق شقة جاره -مدرس اللغة الإنجليزية- الذي توفى بالأمس ,والذي كان دائم الشجار مع زوجته -الحسناء- (تباً للملعون , إنهم في حداد!)..
كانت الحسناء ترتدي ثوباً أسود قصير ,تتشنّـج باكيةً ,تنسكبُ دموعها فوق وجنتيها وهى تخطو بين المعزّين بفستانها الأسود المفتوح بسخاءٍ عند الصدر, وعند الذيل من الخلف, والذى كشف عن كثيرٍ من لحمها الأبيض, فبدتْ كقطعة قشدةٍ فى طبقٍ أسودٍ يعصفُ بأعين المعزّين النهمة.. ينصرف المعزون,تخلو الحسناءبنفسها,يُشرق وجهُها,تخلع ثوب الحداد ,وترتدى فستاناً مزركشاً زاهياً ,تتزينُ, تسمعُ طرقاً مُنغّماً فوق الباب, تفتح , يدخل شابٌ وسيمٌ يافعٌ, يحتضنها فى شوقٍ ملتهب, يحتدم العناق, والقبلات, تُخبره بنبرةٍ حالمةٍ رقيقة:إنتهت الغُمّة حبيبى, تعال وقتما شئت!..
يغادر الشبيه الفضولى باصقاً ضحكاته الشيطانية, فيما هو يبتسمٌ ابتسامةً واسعةً هادئة , يشعرُ بالسكينة , يُدرك أنّ وساوسه لم تكُ شيئاً قياساً بما شاهد, تنقشعُ جهامته, تتنصّت إحدى حواسه بصعوبةٍ لهسيسٍ كصافرات الإنذار المتقطعة , فيما حاسةٌ أخرى تُعافر فى تبيان بعض الظلال المُتداخلة لسيقانٍ نسويّةٍ متباينةٍ تبرزُ من معاطفٍ غير واضحة اللون, تغدو جيئةً ورواحاً, تلوح من بين أياديها بعضُ القوارير الشفافة , تتدلى منها خيوطٌ بلاستيكيةٌ دقيقة , فيما الشبيهُ الفضولي مازال يتباعد ويتباعد , ويتباعد!! @
******************************
من مجموعتى القصصية= الملكه بـداره=
نشرت فى الاهرام المسائى 2/5/98
( جَحِيـمُ الـوَسَــاوِسْ!!) بقلم:أحمـد عـفـيـفـى
مراجعة بواسطة Unknown
في
6:34:00 م
التقييم: 5
ليست هناك تعليقات