انكفأت المدينة تحت خاصرة الليل. المنازل أسرى يزاحم بعضها بعضاً والشوارع ترتبك بين الأوحال. ينفض طائر المدينة عن ريشه ويطير في الفضاء الفسيح.
مرة في كل عام وفي مثل هذه الساعة من هذا اليوم وبعد أن ترحل الشمس، يزوره الطائر . يباتُ قرب نافذته ويغادر قبل احمرار الشفق. تلك عادتهُ ,إنهُ صديقه الوحيد، رمادي الريش ببقع صفراء ,صوته يسحر من يسمعه .
وحالما أناخت الغمام إبلها، خرج الأطفال يطاردونه وهو يهم بمغادرة المدينة, بينما يجر الخطى كأعمى، كان يتعثر حيناً بحجر وحيناً آخر يصطدم بشجرة أو بجذع شجرة يابس أو بحائط.
انتفض الطير داخل قفصه الصدري، ومعالم الطريق أخذت تذوي أمام عينيه. قضى وقتاً طويلاً يبحث عن بيت حبيبته ، بيدّ أنه لم يفلح رغم مابذله من جهد في البحث.. تملكهُ الغم وازداد غيظاً على غيظ .استجمع قواه وراح يجري أينما اتفق، لاتهمة الجهات , تفحص المكان بعينين ملتهبتين عسى أن يجد مَعْلَماً يدله على الطريق، كل المعالم مألوفة لديه فهو يحفظها عن ظهر قلب، لكن الغمامة اللعينة أكلتها هذا الصباح. وفيما كان ينفض التراب وبقية الأشواك التي علقت بقميصه.
اتجه إلى دار حبيبته وهو يسحب بقاياه المهملة ، وفيما كانت الغمامة تجر بقايا أذيالها وتغادر المدينة. في هذه الأثناء تخيلها مستلقية على السرير بقميص النوم الأحمر تفتّشُ عن وجهه الأسمر واحاديثة المؤنسة ,ليالي كثيرة نام عندها ليؤانس وحدتها. كانت تحكي له الحكايات حتى ينام في حضنها متوسداً ساعدها البض. ماأروع مفرق نهديها وما أجمل خطوط أسنانها الدقيقة. ذات ليلة حلم أنه تزوجها وصار لهما ولد وبنت. وسافر معها في البحر الذي أحبه, تمنى كثيراً في أحلام اليقظة وتخيل شكل البحر، لكنه أخفق في رسم هيأته..!
الغمامة التي أكلها الصباح. ، بقلم / عقيل هاشم
مراجعة بواسطة عبده جمعة مدير تحرير رؤية قلم
في
11:11:00 م
التقييم: 5
ليست هناك تعليقات