أحدث المواضيع

‏عقيل هاشم‏ أسلاك شائكة..!!



كنت أجد نفسي مستسلماً كلياً، لما ترسله لي من بوح، وما أراه وجداً يتفتت في حديثها وأقول في نفسي، بأن كلماتها ستكون لي خير معين على شراسة الغربة ,وأنا أهم بإكمال دراستي العليا في جورجيا.
كانت تسألني دائماً:
- "متى ستعود؟"
وفي كل مرة، وأنا أواجه هذا السؤال، يعود بي خيالي إلى الأيام التي كنت اخرج معها في النزهات ,ونتحدث عن مستقبلنا.وكنت أجد راحة كبرى وأنا أراها في تلك الحماسة، والمشاركة، دائماً .
فكنت أقول:
ما من قوة تستطيع تبديد هذا الحلم المتوهج، ذاك الأمل المنشود الذي رسمته ذات يوم، وكان الرسم زاهياً، مواراً يطيف الفرح، والعالم بهذا الرسم، أقول لها، سيغدو أكثر نقاءً وبهاءً، وأكثر جمالاً.
- "متى ستعود؟".
أتطلع إليها، وحيرة عظيمة تغزوني فجأة، وتهتاج روحي بحدة، وتضطرب نفسي، واسألها بصوت خفيض:
- "هل أحضرت لي كتبا؟".
- "نعم. بالطبع.".
تجيب مسرعة.
وصارت تذكر لي عناوين الكتب التي حملتها لي وتستدرك:
- "آه... نسيت أن أقول لك....لقد ذهبت كل الفصول وعادت كل الطيور..أنا انتظرك على نار..!
- وسرور كبير يدخل قلبي.
ينتهي وقت الزيارة الخاطف لصديقي العائد للتو من أهلي والحامل لي الكتب والرسائل والهموم, في كل مرة، كنت ألوم نفسي، لأني أنسى بعض ما أود قولي لها، خلال موعد زيارة صديق لي، لينقل الرسائل لااهلي.
أجل كانت تنقضي تلك الدقائق السريعة بلمح البصر، وأنا اعتصر، دائماً، ما يتبقى من الوقت لتبليغه حزني، وشوقي وبعض وصاياي إلى أصدقائي .
- يودعني
فأتذكر وداعها لي أول مرة في مطار بغداد عيون دامعة، وحزينة، تتلعثم في ترتيب كلمات الوداع، بينما كنت أبحر عميقاً في العينين الحمراوين، المتوهجتين بهذا البلل الحارق، المؤلم، وقد راح يوشحهما ببريق يتلألأ بسطوع خافت.
- وعندما انظر في عينيها من جديد أرى الحمرة تزداد على نحو ملحوظ، ويتلألأ أكثر فأكثر البريق الساطع، والمضبب كذلك، وينقبض قلبي بألم مرة أخرى، وأنا أرى الدموع وهي تبلل خديها، وقد انبجست خافتة، صموتة، وأنا أمامها ساكناً، متحجراً من الأسى والضعف، ونداء متنام بداخلها يدفعها كي تلتقط حبات اللؤلؤ المنسابة... ولم تفعل.!
- أودعها.
وانظر من خلال نافذة الطائرة ، أتابعها في طريق العودة، أراها تلوح لك بيديها، وهي تخطو خطواتها كغزال أبيض يمضي فوق عشب أخضر، والطريق يمتد ويطول. ولم اعد أميز منهما سوى الأثر الباقي لها وصرت أتخيل أن الحاجز المزروع أمامي قد تراجع أو اختفى، أو كاد وجوده يمحى تماماً.

ليست هناك تعليقات