عم منير شخصية غريبة الأطوار، ولا يستبعد البعض أن تكون هذه الصفة ضمنت في المعجم خصيصا من أجله..
- فهذا الرجل لا يكف عن طي كل المتناقضات داخله، أحيانا يكون طيب القلب..
بشوشا.. متزنا.. وبغتة تجده يتحول إلى عصبي.. انفعالي.. مجنون..
- ومن أول مظاهر غرابة الرجل وليس آخرها؛ أنه جاء للعامرية منذ شهور فحسب، وإذا به يختار أكثر مكان ناءٍ فيها كموقع لمتجره!
كل أهالي استنكروا طريقة تصور منير لنتيجة هذا، من هم الزبائن الذين توقع أن يأتوه إلى تلك المنطقة المتطرفة؟!!
- دائما ما يختفي منير فجأة من الضاحية الهادئة بأكملها.. ويعود ليظهر
فجأة كذلك، ولا يعلم أحد أين هذا المكان الأصلي الآخر الذي ينتمي إليه!!!
- أحيانا يكلمك العطار المجذوب بطريقة طبيعية، وفجأة تجد وجهه انقلب،
ويبدأ في الثرثرة بموضوعات غير مترابطة؛ وغالبا ما يدور هذيانه عن الأرواح
المعذبة القريبة التي يسمع صراخها، فيحذر منير منها باستمرار، والعجوز
يعتبر أن رسالته في الحياة مقاومة أبناء الجحيم هؤلاء، ودوما يفوح من متجره
بخوره المميز الذي يقول: إنه يقي منهم، ولم يتوقف أبدا عن استعمال تلك
الخلطة، لم يزل يلقيها في كل نار يشعلها للتدفئة ليلا!!!!
كل هذه الأسباب الأخيرة ألحقت بالرجل لقبه الذين اشتهر به:
"المجذوب"
أي امرأة أو فتاة تعبر الشارع تلتزم أقصى الطريق إذا تواجد هو به، إذا
جلسن يثرثرن وهم ينقين الأرز أمام بيوتهن، يتكهرب الجو لو مر على مسافة
منهن.
أقرب من احتك بعم منير هو الصبي سعد، وذلك بحكم أنه يعمل لديه في متجر العطارة..
وهناك حكاية لا يناساها سعد أبدا، حكاية تمثل للفتى مدى الـ(كرامات) التي يملكها الشيخ منير..
فذات مرة جاءه أحدهم يطلب شيئا لعلاج صداعه، سعد يعرف الزائر جيدا فهو يدعى جابر، ويعمل في مصنع الرخام..
وجد سعد «منير» يضع يده على جبهة جابر، وما حدث للرجل إثر اللمسة جعل سعد -
الذي يقف على مبعدة - يتجمد في مكانه، فقد بدا جابر أنه صار مخدرا
جرائها.. الموقف صعق سعد بمعنى الكلمة..
لم يتخذ الصبي رد فعل، لم يستغث.. لم يستطع أن يطلب من سيده أن يتوقف عما يفعله..
اتخاذ رد فعل يحتاج أن تفهم ما يحدث أولا، وسعد لم يفهم..
وأخيرا رفع منير يده بغتة عن رأس الزبون، وسأله وهو يشيح ببصره بعيدا:
- هل أنت واثق أنك مصاب بالصداع؟ أنا أراك على خير ما يرام.
جابر لم يتكلم لأن الذهول ألجم لسانه، فقد كان يشعر منذ ثوان بطنين يرج رأسه، أما الآن.. فلا شيء..
إن عقله صاف، وهو نشيط كأفضل ما يكون..
من أقوال منير العطار المأثورة:
«الرجل الحقيقي هو الذي يعزز الألم من وقوفه على قدميه، لا أن يسقطه أرضا».
«لا تتصرف أبدا بمبدأ (فلأركب العربة مع الشيطان، ثم لأحرق العربة وأحرق الشيطان).
فالركوب مع الشيطان سيدخلك في دائرة مغلقة لا فكاك منها، مجرد جلوسك
بجواره سيجعلك بعد مدة تعتاده، وبعد مرور فترة أخرى ستفاجأ بنفسك.. وقد صرت
صديقه».
«قديما قالوا: إن الكلاب تعوي والقافلة تتجاهلها لتتم سيرها،
الآن نحن في زمن انقلبت فيه الآية، الكلاب العاوية هي من صارت تقود
قوافلنا».
* * *
(قصاصة من الكتاب الجماعى "دائرة المجهول" )
المجذوب بقلم /ياسين أحمد سعيد
مراجعة بواسطة Unknown
في
3:07:00 ص
التقييم: 5
ليست هناك تعليقات