أحدث المواضيع

غزة الصمود والتحدي 2 ... بقلم أ / سليم عوض عيشان

قصة قصيرة
بقلم سليم عوض عيشان ( علاونة )
غزة الصمود والمحبة
=====================

( أم فخري )
" الجزء الثاني – الأخير – "

... " أم فخري " قررت أن تحيا في القرية .. وأن تعيش بقية عمرها بين من أنقذوها من الموت المؤكد .. فأصبحت علامة مميزة من علامات القرية ..
في البداية .. لم يكن لها منزل .. ولكن كانت كل بيوت القرية منازلها . ليس لها من ولد .. ولكن كل أولاد القرية هم أولادها .. وكل أهل القرية هم أهلها .
الجميع كانوا يرحبون بها .. الجميع كانوا يتنافسون بالاستحواذ عليها .. فكانت ترضي الجميع .. فتقوم بزيارة الجميع بلا استثناء وبلا انقطاع .
هي .. لم تنس " فخري " .. ابنها " فخري " .. فما فتئت في كل حين وحين .. وفي كل لحظة ولحظة .. تذكره .. تفتقده .. تبكي من أجله .. تتساءل كيف أصبح " فخري " الآن ؟؟ ..كيف يحيا ؟؟ .. كيف يعيش ؟؟ كيف ؟؟؟
سنوات وسنوات طوال وهي ما انفكت تذكره .. تتألم .. تئن .. تبكي .. ثم تستعين على الأمر بالصلاة التسبيح .
وكانت النكسة .. سنة 1967 .. وكان دخول العدو الإسرائيلي إلى مناطق الضفة الغربية بعد الاستيلاء عليها بالكامل .
وكان أن دخلوا القرية .. كما دخلوا كل القرى الأخرى .
ما هي سوى أيام قلائل .. حتى كان شابا .. يدخل القرية وهو يرتدي البزة العسكرية .. برفقة ثلة من جنود العدو الذين كانوا يستقلون سيارة عسكرية .
الجندي الشاب كان يسأل عن امرأة تدعى " أم فخري " .
قام البعض بإرشاده إلى مكان تواجدها ..
تجمهر أهل القرية .. رجالاً .. نساءً .. أطفالاً وعجائز .. حول الشاب والسيارة العسكرية .
ترجل الشاب من السيارة العسكرية .. كان يحمل بين يديه مجموعة كبيرة من الهدايا المختلفة الأشكال والأحجام ..
توجه ناحية المكان الذي أشاروا إليه ، والذي كانت تتواجد فيه " أم فخري " ..
دخل المنزل .. فوجدها .
كانت " أم فخري " تجلس في باحة المنزل .. شاهدت الجندي الشاب عن بعد وهو يقترب منها ... بادرها بالسؤال :
- هل أنت " أم فخري " ؟؟ .
أومأت المرأة برأسها علامة الإيجاب ..
ألقى الشاب ما يحمله من أشياء على الأرض .. اندفع نحو المرأة .. راح يقبلها بحرارة .. راح يبكي بحرقة . سألته :
- ومن أنت ؟؟!!
قال لها من بين الدموع والبكاء والنحيب ..
- أنا " فخري " .. ابنك " فخري " .. لقد بحثت عنك طويلاً .. سألت عنك كثيراً حتى اهتديت إليك .
احتضنته .. قبلته .. بكت .. زغردت .. رقصت .. راحت تضمه إلى صدرها .. إلى قلبها .. راحت تتشممه .. تقبل وجهه .. عينيه .. وجنتيه .. وهي ما زالت تبكي .. وتزغرد ..
تجمع أهل القرية من حولهما .. شاركوها البكاء والفرحة .. وشاركتها النسوة " الزغاريد " .
بعد وقت قصير .. كانت المرأة " أم فخري " تكف عن البكاء .. تتوقف عن الضحك .. عن الزغاريد .. عن الحركة ..
سرحت بفكرها إلى البعيد .. غابت بتفكيرها لحظات ولحظات إلى الوراء .. إلى الذكريات القديمة .. لم تلبث أن عادت بتفكيرها إلى المكان .. هتفت وشبح ابتسامة غامضة على محياها :
- ماذا قلت لي اسمك يا هذا ؟؟!!
بهت الشاب .. فوجئ .. تمتم :
- أنا " فخري " .. " فخري " ابنك .. ابنك يا أمي .. ؟!
ازدادت الابتسامة على محياها غموضاً وكأنها اللغز الكبير المحير .. تمتمت :
- وماذا قلت لي بالنسبة لعملك ؟؟!!
دمدم الشاب :
- أنا جندي .. جندي يا أمي .. في الجيش الإسرائيلي .. وبرتبة عسكرية عالية .
سرحت بفكرها إلى البعيد من جديد .. غابت بتفكيرها كثيراً .. وكأنها لم تعد تحس بالمكان ولا الزمان .. بعد لحظات طويلة .. ركزت عليه بصرها بشكل غريب .. هتفت بصلابة غريبة وعزم عجيب :
- أرجو المعذرة يا هذا .. حقاً بأنني " أم فخري " .. ولكن ليس لي ولداً باسم " فخري " .. فابني الذي كان في يوم من الأيام بهذا الاسم .. مات هناك .. في مدينتي الحبيبة " حيفا " .. مات منذ زمن طويل .
تابعت حديثها بصلابة :
- أرجو يا هذا أن لا تنس أن تأخذ معك كل تلك الأشياء التي أحضرتها .. فلست بحاجة لها .. ولست بحاجة إليك أيضا.
غادر الشاب المكان مطأطئ الرأس .. بعد أن تناول الهدايا المبعثرة على الأرض .. تحركت المرأة من المكان .. لا لكي تودعه .. بل لتقفل الباب الخارجي بعد خروجه .. كانت توصد الباب بقوة .. بعزم .. بإصرار .. بينما كانت دمعة حائرة حارقة ملتهبة تترقرق في عينيها .
قصة قصيرة
بقلم / سليم عوض عيشان ( علاونة )
غزة الصمود والمحبة
=====================

( أم فخري )
" الجزء الثاني – الأخير – "

... " أم فخري " قررت أن تحيا في القرية .. وأن تعيش بقية عمرها بين من أنقذوها من الموت المؤكد .. فأصبحت علامة مميزة من علامات القرية ..
في البداية .. لم يكن لها منزل .. ولكن كانت كل بيوت القرية منازلها . ليس لها من ولد .. ولكن كل أولاد القرية هم أولادها .. وكل أهل القرية هم أهلها .
الجميع كانوا يرحبون بها .. الجميع كانوا يتنافسون بالاستحواذ عليها .. فكانت ترضي الجميع .. فتقوم بزيارة الجميع بلا استثناء وبلا انقطاع .
هي .. لم تنس " فخري " .. ابنها " فخري " .. فما فتئت في كل حين وحين .. وفي كل لحظة ولحظة .. تذكره .. تفتقده .. تبكي من أجله .. تتساءل كيف أصبح " فخري " الآن ؟؟ ..كيف يحيا ؟؟ .. كيف يعيش ؟؟ كيف ؟؟؟
سنوات وسنوات طوال وهي ما انفكت تذكره .. تتألم .. تئن .. تبكي .. ثم تستعين على الأمر بالصلاة التسبيح .
وكانت النكسة .. سنة 1967 .. وكان دخول العدو الإسرائيلي إلى مناطق الضفة الغربية بعد الاستيلاء عليها بالكامل .
وكان أن دخلوا القرية .. كما دخلوا كل القرى الأخرى .
ما هي سوى أيام قلائل .. حتى كان شابا .. يدخل القرية وهو يرتدي البزة العسكرية .. برفقة ثلة من جنود العدو الذين كانوا يستقلون سيارة عسكرية .
الجندي الشاب كان يسأل عن امرأة تدعى " أم فخري " .
قام البعض بإرشاده إلى مكان تواجدها ..
تجمهر أهل القرية .. رجالاً .. نساءً .. أطفالاً وعجائز .. حول الشاب والسيارة العسكرية .
ترجل الشاب من السيارة العسكرية .. كان يحمل بين يديه مجموعة كبيرة من الهدايا المختلفة الأشكال والأحجام ..
توجه ناحية المكان الذي أشاروا إليه ، والذي كانت تتواجد فيه " أم فخري " ..
دخل المنزل .. فوجدها .
كانت " أم فخري " تجلس في باحة المنزل .. شاهدت الجندي الشاب عن بعد وهو يقترب منها ... بادرها بالسؤال :
- هل أنت " أم فخري " ؟؟ .
أومأت المرأة برأسها علامة الإيجاب ..
ألقى الشاب ما يحمله من أشياء على الأرض .. اندفع نحو المرأة .. راح يقبلها بحرارة .. راح يبكي بحرقة . سألته :
- ومن أنت ؟؟!!
قال لها من بين الدموع والبكاء والنحيب ..
- أنا " فخري " .. ابنك " فخري " .. لقد بحثت عنك طويلاً .. سألت عنك كثيراً حتى اهتديت إليك .
احتضنته .. قبلته .. بكت .. زغردت .. رقصت .. راحت تضمه إلى صدرها .. إلى قلبها .. راحت تتشممه .. تقبل وجهه .. عينيه .. وجنتيه .. وهي ما زالت تبكي .. وتزغرد ..
تجمع أهل القرية من حولهما .. شاركوها البكاء والفرحة .. وشاركتها النسوة " الزغاريد " .
بعد وقت قصير .. كانت المرأة " أم فخري " تكف عن البكاء .. تتوقف عن الضحك .. عن الزغاريد .. عن الحركة ..
سرحت بفكرها إلى البعيد .. غابت بتفكيرها لحظات ولحظات إلى الوراء .. إلى الذكريات القديمة .. لم تلبث أن عادت بتفكيرها إلى المكان .. هتفت وشبح ابتسامة غامضة على محياها :
- ماذا قلت لي اسمك يا هذا ؟؟!!
بهت الشاب .. فوجئ .. تمتم :
- أنا " فخري " .. " فخري " ابنك .. ابنك يا أمي .. ؟!
ازدادت الابتسامة على محياها غموضاً وكأنها اللغز الكبير المحير .. تمتمت :
- وماذا قلت لي بالنسبة لعملك ؟؟!!
دمدم الشاب :
- أنا جندي .. جندي يا أمي .. في الجيش الإسرائيلي .. وبرتبة عسكرية عالية .
سرحت بفكرها إلى البعيد من جديد .. غابت بتفكيرها كثيراً .. وكأنها لم تعد تحس بالمكان ولا الزمان .. بعد لحظات طويلة .. ركزت عليه بصرها بشكل غريب .. هتفت بصلابة غريبة وعزم عجيب :
- أرجو المعذرة يا هذا .. حقاً بأنني " أم فخري " .. ولكن ليس لي ولداً باسم " فخري " .. فابني الذي كان في يوم من الأيام بهذا الاسم .. مات هناك .. في مدينتي الحبيبة " حيفا " .. مات منذ زمن طويل .
تابعت حديثها بصلابة :
- أرجو يا هذا أن لا تنس أن تأخذ معك كل تلك الأشياء التي أحضرتها .. فلست بحاجة لها .. ولست بحاجة إليك أيضا.
غادر الشاب المكان مطأطئ الرأس .. بعد أن تناول الهدايا المبعثرة على الأرض .. تحركت المرأة من المكان .. لا لكي تودعه .. بل لتقفل الباب الخارجي بعد خروجه .. كانت توصد الباب بقوة .. بعزم .. بإصرار .. بينما كانت دمعة حائرة حارقة ملتهبة تترقرق في عينيها .

ليست هناك تعليقات