أحدث المواضيع

ست الحبايب في عيدها بقلـــم /علي الشافعي



ست الحبايب في عيدها 
ست الحبايب يا حبيبة يا اغلى من روحي ودمّي يا حنيّنة وكلك طيبة
الام !! وما ادراك ما الام ؟ ماذا يمكن ان اكتب لها في عيدها , صدقوني ـــ ايها السادة الكرام ـــ انني كلّما حاولت ان اكتب في هذا الموضوع اجد الكلمات تتفلّت وتتهرّب من فكري وذاكرتي ووجداني , وأحس وكأنها تقول دعني دعني , تتقاصر وتتصاغر ولا تريد ان استخدمها , ولسان حالها يقول : انا اصغرواقلُّ شأنا من ان اصف فضلا عظيما , وجميلا كبيرا كفضل الام وجميلها . وكثيرا ما تفضح العبرات لواعج القلب والوجدان , فأتمنى لو يعود الزمان لأكب على قدمي ست الحبايب تكبيسا وتدليكا وتقبيلا . لكننا لا ندرك قيمة الاشياء الا بعد فقدنها . باي كلمات الشكر والعرفان يمكن ان اصف فضلها و وأُوفّيها حقها . 
الام !! وما ادراك ما الام . بحر حنان يتدفق . ونبع فياض بمشاعر الحب ونبل العواطف . تحمل في احشائها الأمل . تنتظره وتترقب لحظة ميلاده . تحمله وهْنا علي وهن . لكنها المعاناة المحببة والألم الذي تسعد به . لأنها ستضيف للحياة أملا جديدا . عقلا جديداً , بشرا سويا . ويستمر العطاء ترضع حباً وحناناً . ودفئاً ورعاية . تحسه ويحسها . تسعد به ويسعد بها . فتجسد أنبل علاقات الحب الطاهر . حب الأم لوليدها . إنه لحب عظيم , له قدْره عند الله عز وجل ليجعله طريقاً إلي الجنة . 
عادة ـــ يا دام سعدكم ـــ ما تعج المولات ومحلات الذهب والاكسسوارات والحلويات في مثل هذه الايام بالأبناء والبنات والكنائن , فيشتري كل منهم هدية ست الحبايب , كل حسب مقدرته . وعادة لا تلتفت الام الى القيمة المادية للهدية بمقدار اهتمامها بالقيمة المعنوية . تفرح كثيرا ليس لقيمتها بل لتذكر ابنائها لها , ولو يوما واحدا في العام . فما الذي تريده الام اذن , هل هي فعلا بحاجة للهدية , ام بحاجة لما تحمله الهدية من رمزيات , ام بحاجة ليدخل عليها ابناؤها واحفادها يتحلقون حولها , يسألون عن أحوالها , وترى في اعينهم نظرة حب وتقدير وخفض جناح . 
نحن ـــ ايها السادة الكرام ــ في زمن العجائب , عصر غريب الطباع تغيرت فيه النفوس وقست فيه القلوب , وعمّ فيه نكران الجميل يذكرني بقول الشاعر: 
انا لفي زمن ترك القبيح يه ــ من اكثر الناس ــ احسانٌ واجمال
غريب هذا الزمان ! صدق رسول الله , هذا زمان تطاع فيه الزوجة وتعق الام . في هذا الزمان من الزوجات من ترفض ان تشاركها ام زوجها المسكن فيصبح الابن بين نارين نار الزوجة من جهة , ونار الام من جهة خرى . وكثيرا ما تتغلّب الاولى لتجد الثانية نفسها في احدى دور رعاية العجزة والمسنين , هذه الدور التي ما سمعنا بها في ابئنا الاولين.
ماذا تريد الام إذا ما امتدت بها الأيام ؟ وغربت شمس العمر واشرفت على المغيب , وقد انحنى ظهرها وارتخى حاجباها , وارتجفت يداها وخارت قواها . ماذا تريد ؟ وكيف نرد لها الجميل ؟ وكيف نبرها ؟ كيف و كيف ؟ والله سبحانه وتعالي قد قدمها في البر وجعل الجنة تحت أقدامها . كيف ؟ وقد بلغنا عن سيدنا رسول الله صلي الله عليه وسلم لما رأي رجلاً من أصحابه يحمل أمه علي كتفه , يطوف بها حول الكعبة في موسم الحج وسأل الرجل رسول الله صلي الله عليه وسلم يا رسول الله : هل أديت حقها ؟ فقال صلي الله عليه وسلم : " لا ولا بزفرة واحدة ". 
ماذا تريد الام ــ يا دام سعدكم ــ من أبنائها في أواخر أيامها عندما تكون الشيخوخة وعوادي الزمن انهكت قواها , وما عادت تقدر على خدمة نفسها . هي والحالة تلك لا تريد نظرة شفقة او تأفُّف او تبرُّم من ابن او كنة او حفيد . يروى ان ابنا اجلس امه العجوز يوما تحت شجرة في الحديقة , فسالت ما هذه الشجرة عنه فأجابها الولد هذه شجرة زيتون , و بعد قليل اعادت نفس السؤال فأجابها , وفي المرة الثالثة اجابها بحدة وعصبية . قالت يا بني تحت هذه الشجرة كنت كل يوم تسالني عشرات المرات السؤال نفسه , وكنت اجيبك بفرح وعطف وسرور وما مللت يوما اسئلتك على كثرتها , فقد كنت يا بني كثير الاسئلة , وتسال السؤال ذاته اكثر من مرة . 
ماذا تريد الام في شيخوختها ؟ تريد المؤانسة . تريد من يؤنس وحدتها , يحدثها ويستمع لها , يلاطفها ويمازحها ويعيد لها الذكريات , يستمع باهتمام لحديث قد تكون أعادته عشرات المرات . تريد من يمر عليها كل يوم قبل الذهاب الى عمله , يقبل يدها ويطلب منها دعوة تحفظه في ظاهر الغيب , وتنير دربه وتفتح ابواب الرزق امامه . تريد من يمر عليها وهو عائد من عمله , قبل دخول بيته , يقبل يدها ويطلب منها دعوة تريحه من عناء اليوم , فيبارك الله له في رزقه وبدنه وماله وعياله . تريد من يجلس معها في السهرة ولو ساعة يسامرها ويؤانسها فيها , فتعيش واياه دفء الاسرة التي افتقدته , وعلى أمل تكرارها , يستمع اليها ويشعرها بالامتنان والفخر بتربيتها ورعايتها ثم يقبل راسها , ويطلب منها دعوة تجعل نومه هادئا مريحا . 
ماذا تريد الام ؟ تريد ان تري في عيون ابنائها اللهفة والتوجع ان الم بها مرض , يتسابقون الصغير قبل الكبير لخدمتها ورعايتها , لا ان تتأفف زوجة الابن ولا زوج الابنة ان يجالسوها على طعام , او يمسحوا ما تساقط من جوانب فمها بسبب ارتجاف يدين حرصت على الا ترتجفا اثناء حملها لأبنائها صغارا . تريد الا يسمحوا لابنائهم ايضا الاستهزاء بها . 
يقال ـــ ايها السادة ــ ( معاملة الوالدين سلف ودين ) . فكما تدين تدان , يحكى ان رجلا دخل على ابنه الصغير فراه يرسم بيتا جميلا وسط حديقة غناء , فاعجب به ولكن كانت له ملاحظة , فجميع غرف البيت واسعة عدا حجرة في زاوية من البيت الواسع . تبدو صغيرة جدا , فسال الرجل ولده عنها فقال الغلام : هذه لك يا والدي وهي بحجم غرفة جدي . طبتم وطابت اوقاتكم .
انا بردان يامّــي دثْرينـــــــــي وتحت طيّة جناحك هدهديني
انا الحاني تَقبّل طُهر راســــــك وابثك كل آهاتي وانينـــــــــي
انا غرسة يا امي من اغراســك انا من معجنك خبزي وعجيني
انا ارضعت الحماسة من حماسك وطبع المرجلة وايدي الامينـة
انا احساسي يا امي من احساسك انا من قلبك الصافي حنينــــي
وياما نمِتْ عا همسِةِ انفاســـــك وياما اشقيتِ حتى تسعدينـــي
انا ما قدّرت غمرة حواســــــــك تري يا ام الحناين سامحينــــي
انا لو قبلتْ تربة مداســـــــــــك ما بتْسدّد ولو معشار دينـــــــي
دعيت الله يا رب المناســـــــــك تنور قبرها بنــــــور اليقيـــــــن
تراها الوالدة ام العطايـــــــــــا وبعِدْها ما عطيّة تروق عينـــــي

ليست هناك تعليقات