أحدث المواضيع

رائحة السماك..! ، بقلم / عقيل هاشم

وحده الليل شاهد على ماجرى

والحدات تبيض خرافة التاريخ

ووحده المجنون ظل العاقل فينا

في قلعته يقرن رأسه بالصخر.!!

قلت:

ما أحلاك بفستانك المخملي.!

ابتسمت, ثم توارت مسرعة في بطن غيمة . جسد ابيض, كالثلج, شعرها المسدول كالليل ,مبسم سيجارتها يتوسط شفتيها والتي تشبه تين العجم .حورية على خد نهر ازرق تتلوى .مسكنها على نهر دجلة, صديقها وكاتم أسرارها. أما أطفالها المؤجلين دائما ذكرى مطر خريفي يغرق صدرها الندي بالحنين. وصفحة قلبي قارب عاشق يتهادى فوق صفحة نهر هارب إلى الأفق .قابلتها مصادفة ,اليد باليد والعيون تتحاور .

قالت:

أني مفارقتك ..!

وتداعت الذكريات يوم التقيتها في المتحف الوطني ,كان الاحتفال الأول لها ,أتذكرها جيدا حالمة كالفراشة تطير هنا وتحط هناك ,ومع كل انعطافة كانت مخاوفي تتجدد ,انه الفقد. كلما زرتها في المتحف, ادقق في لوحاتها المتراصة أضلاعها على بلاط السيراميك,ألوان ,فرش متنوعة الطول والسمك, تلك اللوحات هي سجل تاريخ حياتها.سجل الزوار وكلماتهم المدونة بحرارة.

ويوم زارتها شظايا الانفجار المرعب ,مددت يدي متلمسا جسدها المتشظي والذي يذكرني باشفار المناجل وهي تصهل في أعناق السنابل ,والظلام المرقط يخفي أشلاء من فراش سريرها الدافيء والحدات توقظ النهر من غفوته ,وفي لجة الانفجار كنت ابحث بين أشياء قريبة لنفسها ،تمائمها ,حجر السماك الذي تضوع منه رائحة زكية فلازالت المجمرة متقدة تحرق ماتبقى من السماك.فستانها المخملي الممزق. مرايا تمحي كل مسامات جسدها المخمور بالعطور والرياحين ,جسدا كاد أن يرفد سلالات الفن والجمال بالغيث ,تحت الاباجورة وعلى الطاولة الصغيرة دمية تعويذتها،وجه شمعي وعيون من خرز وأظافر من ماس وقلب من خشب الأبنوس ,بقع الدم المتيبس فوق ذلك الجسد البض والأسطوري ,وكأنه لم يطأ أرضا بالمرة،وعلى هيئته الخرافية ممدد لاحراك،أفصح ضوء السراج المرتعش عن بعض انعكاسات العرق النازل بغزارة من جبهتها والذي قد تجمد لاحقا,تهادى صوت المؤذن ببطء.

نواح دجلة و النخيل مر كخيط شعاع باهت ,تعلقت عيناي في اللوحة الأخيرة ,جسد الأشجار المحترق والتفاتة خصرها المبروم لازالت واقفة بينما طيور كثيرة تحوم على هاماتها ,ربما انكفأ طائر في زاوية ما حبيسا بين أثدائها..!!


ليست هناك تعليقات