أحدث المواضيع

الانتفاضة..! ، بقلم / عقيل هاشم‏



وقفت يوماً أمام أخي متردد أسأله، وما عساي أن أسأله وأنا لم أتجاوز الكفاءة في كتابة القصص. كان رأي أخي فيما اكتب .. أن المعنى المحرض يجب أن يستلم الريادة بعيداً عن الإسهاب والتفاصيل السطحية. بعد أيام، أخذ يمدني بالمجاميع القصصية ..

في اليوم التالي تفجرت فيه أصوات المناضلين المكبوتة. أعلن عن إضراب عام وأغلقت المدارس بعد تحطيم النوافذ بالحجارة، خرجت أعداد كبيرة من الطلاب بمظاهرة تدعو إلى إسقاط النظام.لاحق حرس النظام هؤلاء الشباب فسقط الكثير في حبائلهم كما سقط أخي في فخ الاعتقال، ظل انتماء أخي السياسي سراً خافياً علينا. اشتد أوار الصدام بين العسكر والأهالي، وامتلأت السجون بالمعتقلين, طال غيابه عنا، رحنا نعد الأيام ننتظر خطواته، أرقنا القلق وأرثته أخبار التعذيب. أدخلت التمنيات الطيبة من الأصحاب والجيران خناجرها في حلوقنا لتنكأ جراحنا كلما حاولنا تضميدها، وكأننا غسلنا أيدينا من جثة ميت.

أخيراً، خرج أخي من السجن صدر عفو عام عن بعض المعتقلين لعدم توفر الأدلة.عاد يجر جسماً نحيلاً يابساً.فتحت أمي عينيها من غيبوبة السكري الذي أكل عافيتها. رجع لنا. همس في أذن أمي. وأمسك كفيها النحيلين مطمئناً. صدر عفو عنه. وأخذ يمرغ وجهه بيديها... نفر الدمع من مآقينا. هاجت بي الأشواق بعيداً عن الحزن. كتبت قصة بعنوان: الانتفاضة أرسلتها إلى الصحيفة السرية والتي يشرف عليها أخي والشاعرة ليلى .في اليوم التالي التقينا ليلى، بعد تجاوزنا سلالم بيتها القديمة الضيقة والتي تؤدي إلى متاهات الغرف الكثيرة في الطابق الثاني المشرعة للشمس. قال لها أخي أملنا كبير في نشاطك وحيويتك. أتوسم فيك مستقبلاً مشرقاً لقضيتنا. سرها هذا إلاطراء وهي مشغولة بتصميم الصحيفة السرية ، تقدمت نحونا سيدة شاحبة جميلة المحيا، رشيقة القوام نحيلة الجسد غارقة بالسواد رفعت يدها بالتحية.

- أهلا وسهلا.وقدمت لنا الشاي.

اخذ أخي الصحيفة وابلغها: ندعوك إلى أمسية شعرية ثم حوار حول حقوق المرأة، أخرجت من حقيبتها بطاقة بيضاء مطبوعة. على غلافها اسمي مدون عليها رقم هاتفها وقالت اتصل بي بعد أن قرأت قصتي التي أعجبتها.تكررت الدعوات. أحببتها. صارت نافذة واسعة، وكتاباً أعيش بين سطوره على أرض الواقع.في زيارة لي لغرفتها الخاصة رأيت في زاوية قبع بيانو أسود لماع. على النوافذ انسدلت ستائر مخملية خضراء تلائم الأرائك القليلة,سرني هذا المنظر. تغير نمط حياتي. فمن جو متزمت خانق إلى تباسط ومناقشة وحرية في التعبير وصدام في الآراء حول التاريخ والحكم ونظام الحكم. صرت أستيقظ مبكرة قبل موعدي السابق بساعة. يرافقني أخي، نركب الباص ، ثم نمشي في الحي الضيق لمقابلة ليلى .تناوبت على مواصلة نشر قصصي. بدأت هي سعيدة مندفعة رغم يقيني بأن الحال سيتغير نحو الأفضل.وفي فجر يوم ربيعي عادت العصفورة التي غادرت قفصها أعلى النافذة منذ زمن و التي قضمت القضبان بأسنانها إلى العش لتلتقط الحب من جديد بفرح.

ليست هناك تعليقات