أحدث المواضيع

نرجسية المقام = بقلم / رنا خطيب -- تجياتي جدو عبدو


نرجسية المقام

تسافر بنا الألقاب إلى حيث نحلم، و عندما يصبح حلمنا 

واقعا ، نطير معها إلى حيث لا ندري.. فتصبح نفوسنا رهينة 
لذلك الإطار الذهبي الخارجي . يأسرنا بريقه ، فيحولنا إلى 
أصنام تتحرك وفق معاييره الخاصة. و يبدأ الجوهر الداخلي 
يفقد لمعانه، فيخبو بريقه و قد يذهب.

ماذا يحدث للنفوس عندما تسافر مع رحلة الألقاب و تعتلي 
صهوة المقام ؟؟!!

أحيانا تلك النفوس ، ذاتها، لا تجد الإجابة على ذلك السؤال ، 
فهي إما مفتونة بسحر الألقاب في حضرة المقام، و إما 
غارقة في بحور الغرور و الزهو بذلك اللقب، و إما صامتة 
حفاظا على مقام الألقاب.

الإنسان الساعي لبناء قلعة صامدة ذات بنيان منيع ، تبقى 
قلعته يذكرها التاريخ مع مرور الأيام و يشدو بها ، و تتحول 
إلى مزار يقصده الناس من كل مكان للاستمتاع بهذا المزار  
والتمعن بآثاره و نقوشه الأثرية ..

الإنسان الذي يحمل رسالة في سعيه ، يتعرض للكثير من 
العوائق و العثرات، يسقط تارة و يتماسك تارة ، لكنه لا 
يتوقف عن أداء تلك الرسالة.. و كلما كانت هذه الرسالة 
واضحة الملامح و الأهداف ، و زاخمة المعاني، و وافرة 
العطاء ، كلما تلقتها النفوس و استوعبتها و شربت رحيقها 
كما تشرب الأرض العطشى ماء الغمام الماطر بغزارة.
الإنسان العاقل يدرك أهدافه في هذه الحياة و يدرك الحكمة من خلقه و ما عليه من بناء لعمارة الحياة.. و يعلم أن كلما 
كان بناؤه قويا في هذه الحياة ، كلما جعل لبصمته آثر يبقى 
بعد الرحيل الأخير.
التواضع في المقام لمن ينظرون ألينا بعين الحاجة، و 
يتطلعون إلى خير ذاك المقام و ما ينسجونه من أحلام ، وما 
يبنون على ذلك المقام قلاعا من الأمل و النجاح و التجاوز 
لحالات الجهل التي تسكن عقولهم، هو أساس نجاح صاحب 
المقام، فهم يتطلعون بعيون حارقة إلى منارتهم لكي تضيء 
طريقهم المتعثر و الغارق في ظلمة الجهل.

ماذا نفعل بضعفائنا عندما نمارس طغيان المقام و سلطته 
فنقوم بقمع أصواتهم الاستفهامية ، أو إغلاق قنوات العبور 
إلى ضفاف المقام، أو ممارسة طقوس الصمت الفاجع و قتل 
رغبة التواصل .

إننا نقتل وجودهم و نفوسهم... و ما أصعب أن يموت شيئا 
في نفس الإنسان و هو مازال على قيد الحياة.

أهي نرجسية تصيب المقام؟!!!
أم هو مرض يصيب نفوس أصحاب المقام فيجعلها تحلق في 
عالم تصبو به لذاتها و تتألق في عالم ينطق بالأنا التي لا 
يسمع صداها إلا النفس ذاتها ؟؟!!!

أي عيون تعمي أصحاب المقام عن رؤية الحق في تلك النعم 
التي أغدقها الرب عليهم.. و اختصهم بنعم لم يختص بها 
الكثير من البشر!!

ألا يتدبرون الحكمة من اصطفاء الله لهم و تخصيصهم بشرف 
تلك النعمة .

آلا يدركون أن الحساب على قدر العطاء و النعم؟ ؟!!

ألا يدركون أن كلما ازدادت نقاط القوة لدى الإنسان ، ازدادت 
مسؤوليته في توظيف هذه القوة لخدمة البشر و بناء الأرض 
؟!!

يا أصحاب المقامات ..

رفقا بضعفائنا ..
علو المقام يكون بعلو الهمة و العزم على أداء رسالة المقام 
التي منّكم الله بها ، و ليس بزهو النفس و تعجرفها و تكتمها 
عن أداء رسالة المقام.

فسلطة المقام فتنة سارحة بالإنسان إن حكّّّّم الهوى في 
النفس و اتبع ضلالها. و هي نعمة لمن حكّم العقل و أتبعه 
هداه.

فهل نكون من أصحاب النعم أم نرضى بأن نكون من أصحاب 
النقم؟

مع التحيات
رنا خطيب

ليست هناك تعليقات