الجريمة لا تفيد ... بقلم أ / منال عبد الحميد
بقلم / منال عبد الحميد
الجريمة لا تفيد
الجزء الأول
كان " محسن " يعرف تماماً أن الجريمة لا تفيد .. في المدرسة كان المدرسون يرددون على سمعه وأسماع بقية العيال المساكين معه دائماً عبارة
( الجريمة لا تفيد ) وسط بقية العبارات الأخرى المحفوظة التي يرددونها في المدارس خصيصاً من أجل أن تخالفها وتعمل عكسها مثل :
( القناعة كنز لا يفني )
( أستيقظ مبكراً ونم مبكراً )
و( لا تؤجل عمل اليوم إلى الغد )
ومن ناحيته كان " محسن " مدركاً تماماً لسياسة التعليم في مصر .. الحقيقة أنه كان عبقرياً و( سابق سنه ) منذ نعومة أظفاره .. لذلك فقد كان يردد هذه العبارات بحماسة أكثر من بقية التلاميذ في فصله خلف المعلمة .. ثم عندما يعود إلى بيته كان يؤكد للمرة الثانية على ذكائه وفهمه للواقع وحسن تعايشه معه وتقديره العظيم للكلمات الفارغة التي يرددها خلف المعلمة .. لذلك كان يحرص على أن يحصل على النصيب الأكبر ، لما يطبخوا يعني ، وسط أخوته .. وإذا حدث وذبحت أمه دجاجة أو أرنباً أو بطة فلابد أن تحتفظ له وحده بالرأس والكبدة والقونصة وإلا كان يومها مهبب ..
وكذلك كان " محسن " الفهيم ، ربنا يحميه ، لا يدخل فراشه قبل الواحدة صباحاً ، هذا إذا دخله أصلاً ولم ينم على الكرسي أمام التليفزيون وهو يشاهد قناة الكارتون
وبالطبع كان يستيقظ في السابعة صباحاً وهو لا يكاد يذكر اسم الذين أنجبوه .. ويرتدي ثياب المدرسة وهو مغمض العينين تماماً .. ثم ( يشلح ) شنطة المدرسة الثقيلة على كتفه ويغادر شقتهم مردداً من قلبه :
" استعنا على الشقا بالله "
أما عن واجباته المدرسية فقد كان يعطي الكراسة للواد " عبد الحميد " نابهة الفصل الغلبان ويعطيه معها بريزة .. وهكذا يضمن أن يكون واجبه في اليوم التالي مكتوب ومضبوط ( على سنجة عشرة ) وبخط جميل ونظيف .. وبذلك يحصل على العشرة من العشرة والنجمة الحمراء بفضل تعب البريزة ومرمطتها وقطع قلبها !
...........................
وعندما كبر " محسن " ولأنه كان متنور وفاهم وعارف الدنيا رايحة فين .. فلم يشأ أن يتعب نفسه ويمقق عينه في الأحياء والكيمياء والفيزياء واللغة الفرنسية والجبر وحساب المثلثات والتفاضل والتكامل في المدرسة الثانوية وقرر أن يأخذها من قصيرها .. وإذا كان سيصبح عاطلاً في النهاية، كالعادة، فليصبح كذلك في أسرع وقت ممكن .. وبإمكانه أن يصل للهدف المنشود ، وهو أن يصبح عاطل قد الدنيا ، بعد ثلاث سنوات فقط يقضيها ، وأمره لله ، في مدرسة الصنايع أو التجارة .. بدلاً من أن ينتظر سبع أو ثماني سنوات يقضيها في المرمطة في المدارس الثانوية وفي الدروس الخصوصية وفي الجامعة وفي حضور المحاضرات وحفظ المذكرات والتشريف في السكاشن ، وكل ذلك حتى يصبح عاطل جامعي عليه القيمة !
وهكذا وحتى لا يعطل مسيرته في السرمحة ولا يضيع كثيراً من أحلي سنوات عمره التي سيقضيها على المقهى يدخن الشيشة ويلعب الطاولة ويشرب الشاي الأسود كالحبر ، مثل أيامه المهببة ، أختار " محسن " ، بعد أن حصل على الشهادة الإعدادية التي لا يعلم إلا الله كيف حصل عليها ، أن يدخل مدرسة التجارة ..
وفي مدرسة التجارة واصل " محسن " تفوقه على نفسه وزادت نباهته .. وأصبح بدلاً من أن يستغل الواد " عبد الحميد " فقط أو أي واحد شبهه يستطيع أن يستغل فصله بأكمله ..
ف" محمود " الشقي العفريت ، اللي مطفش مدرسين التجارة في طول مصر وعرضها ، أصبح حامي حمي " محسن " والمدافع الأول عنه .. و" بركات " ذو الصوت الرخيم أمتنع عن غناء مواويل العزبي وأغاني " عبد الحليم " و" نجاة " وأصبح يغني الأغاني التي يحبها " محسن " فقط .. وعلى رأسها أغاني عبقري العواصف الترابية " شعبان عبد الرحيم " !
أما " عبد الرحمن " عبقرينو مدرسة التجارة فقد صار الناطق الرسمي والمتحدث باسم الأستاذ " محسن " والقائم بأعمال حل الواجبات وتدريبات المحاسبة لجناب عظمته
وغيره .. وغيره .. وغيره .. الحقيقة أن " محسن " كان يتمتع بموهبة هائلة لا يتمتع بها إلا واحد من بين كل عشرة مليار آدمي ملوش أي لازمة .. موهبة استغلال الناس وعصر جهودهم وأخذ كل ما عندهم مقابل لا شيء !
الغريب أن أحد من خدام " محسن " وحجابه ووزراءه ووصيفاته لم يكن يحصل على أي مكسب أو منحة في مقابل خدماته الجليلة له !
وببركة الغش وبقدرة قادر حصل " محسن " على شهادة مدرسة التجارة ..
وكان هذا هو الوقت المناسب لإظهار موهبته على أصولها !
كان " محسن " يعرف تماماً أن الجريمة لا تفيد .. في المدرسة كان المدرسون يرددون على سمعه وأسماع بقية العيال المساكين معه دائماً عبارة
( الجريمة لا تفيد ) وسط بقية العبارات الأخرى المحفوظة التي يرددونها في المدارس خصيصاً من أجل أن تخالفها وتعمل عكسها مثل :
( القناعة كنز لا يفني )
( أستيقظ مبكراً ونم مبكراً )
و( لا تؤجل عمل اليوم إلى الغد )
ومن ناحيته كان " محسن " مدركاً تماماً لسياسة التعليم في مصر .. الحقيقة أنه كان عبقرياً و( سابق سنه ) منذ نعومة أظفاره .. لذلك فقد كان يردد هذه العبارات بحماسة أكثر من بقية التلاميذ في فصله خلف المعلمة .. ثم عندما يعود إلى بيته كان يؤكد للمرة الثانية على ذكائه وفهمه للواقع وحسن تعايشه معه وتقديره العظيم للكلمات الفارغة التي يرددها خلف المعلمة .. لذلك كان يحرص على أن يحصل على النصيب الأكبر ، لما يطبخوا يعني ، وسط أخوته .. وإذا حدث وذبحت أمه دجاجة أو أرنباً أو بطة فلابد أن تحتفظ له وحده بالرأس والكبدة والقونصة وإلا كان يومها مهبب ..
وكذلك كان " محسن " الفهيم ، ربنا يحميه ، لا يدخل فراشه قبل الواحدة صباحاً ، هذا إذا دخله أصلاً ولم ينم على الكرسي أمام التليفزيون وهو يشاهد قناة الكارتون
وبالطبع كان يستيقظ في السابعة صباحاً وهو لا يكاد يذكر اسم الذين أنجبوه .. ويرتدي ثياب المدرسة وهو مغمض العينين تماماً .. ثم ( يشلح ) شنطة المدرسة الثقيلة على كتفه ويغادر شقتهم مردداً من قلبه :
" استعنا على الشقا بالله "
أما عن واجباته المدرسية فقد كان يعطي الكراسة للواد " عبد الحميد " نابهة الفصل الغلبان ويعطيه معها بريزة .. وهكذا يضمن أن يكون واجبه في اليوم التالي مكتوب ومضبوط ( على سنجة عشرة ) وبخط جميل ونظيف .. وبذلك يحصل على العشرة من العشرة والنجمة الحمراء بفضل تعب البريزة ومرمطتها وقطع قلبها !
...........................
وعندما كبر " محسن " ولأنه كان متنور وفاهم وعارف الدنيا رايحة فين .. فلم يشأ أن يتعب نفسه ويمقق عينه في الأحياء والكيمياء والفيزياء واللغة الفرنسية والجبر وحساب المثلثات والتفاضل والتكامل في المدرسة الثانوية وقرر أن يأخذها من قصيرها .. وإذا كان سيصبح عاطلاً في النهاية، كالعادة، فليصبح كذلك في أسرع وقت ممكن .. وبإمكانه أن يصل للهدف المنشود ، وهو أن يصبح عاطل قد الدنيا ، بعد ثلاث سنوات فقط يقضيها ، وأمره لله ، في مدرسة الصنايع أو التجارة .. بدلاً من أن ينتظر سبع أو ثماني سنوات يقضيها في المرمطة في المدارس الثانوية وفي الدروس الخصوصية وفي الجامعة وفي حضور المحاضرات وحفظ المذكرات والتشريف في السكاشن ، وكل ذلك حتى يصبح عاطل جامعي عليه القيمة !
وهكذا وحتى لا يعطل مسيرته في السرمحة ولا يضيع كثيراً من أحلي سنوات عمره التي سيقضيها على المقهى يدخن الشيشة ويلعب الطاولة ويشرب الشاي الأسود كالحبر ، مثل أيامه المهببة ، أختار " محسن " ، بعد أن حصل على الشهادة الإعدادية التي لا يعلم إلا الله كيف حصل عليها ، أن يدخل مدرسة التجارة ..
وفي مدرسة التجارة واصل " محسن " تفوقه على نفسه وزادت نباهته .. وأصبح بدلاً من أن يستغل الواد " عبد الحميد " فقط أو أي واحد شبهه يستطيع أن يستغل فصله بأكمله ..
ف" محمود " الشقي العفريت ، اللي مطفش مدرسين التجارة في طول مصر وعرضها ، أصبح حامي حمي " محسن " والمدافع الأول عنه .. و" بركات " ذو الصوت الرخيم أمتنع عن غناء مواويل العزبي وأغاني " عبد الحليم " و" نجاة " وأصبح يغني الأغاني التي يحبها " محسن " فقط .. وعلى رأسها أغاني عبقري العواصف الترابية " شعبان عبد الرحيم " !
أما " عبد الرحمن " عبقرينو مدرسة التجارة فقد صار الناطق الرسمي والمتحدث باسم الأستاذ " محسن " والقائم بأعمال حل الواجبات وتدريبات المحاسبة لجناب عظمته
وغيره .. وغيره .. وغيره .. الحقيقة أن " محسن " كان يتمتع بموهبة هائلة لا يتمتع بها إلا واحد من بين كل عشرة مليار آدمي ملوش أي لازمة .. موهبة استغلال الناس وعصر جهودهم وأخذ كل ما عندهم مقابل لا شيء !
الغريب أن أحد من خدام " محسن " وحجابه ووزراءه ووصيفاته لم يكن يحصل على أي مكسب أو منحة في مقابل خدماته الجليلة له !
وببركة الغش وبقدرة قادر حصل " محسن " على شهادة مدرسة التجارة ..
وكان هذا هو الوقت المناسب لإظهار موهبته على أصولها !
ليست هناك تعليقات